آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:01 م

قوة الجامعات بتنوع ثقافاتها

حسن المصطفى * صحيفة الرياض

النقاشاتُ مع د. محمد العضاضي، الأستاذ الجامعي السابق، لا تنقضي، والأحاديثُ ليلُها يطول، لأن المعرفة لا حد لها. فالعلمُ تُعطيهِ كُلكَ فيُعطيكَ بعضه؛ ولذا كُلما حاولتَ أن تقفَ على ضفة، وجدت أنك ماتزالُ بعيداً عن المنال، فلا ضِفاف في العلم، وإنما سماواتٌ تفتحُ على آفاقٍ لا متناهية من الحكمة والاكتشافات والأخطاء والتجريب المستمر.

استكمالاً للمقال السابق ”العدالة ومنح الفرص الجامعية“، أود أن أعرضَ لتجربة جامعة ”جورج تاون“، التي درس فيها أبو سهيل، مرحلة الدكتوراه، وهي واحد من أهم الصروح ئ في الولايات المتحدة.

عندما نأتي لإحصاءات العام 2018-2019، في ”جورج تاون“، نجد أن نسبة الأميركان البيض 52 %، فيما ذو الأصول الآسيوية 10 %، والسود 7 %، والإسبان 10 %، أما الأجانب 14 %، وال7 % المتبقية تتوزع بين أعراقٍ متنوعة.

بعض الجامعات تخصص نسبة معينة لـ ”السكان الأصليين“، أي ”الهنود الحمر“، تعويضاً لهم عما لحقهم من ضرر في العقود السابقة، حالت دون التحاقهم بالتعليم الجامعي بشكل واسع.

الفتيات يشكلن نسبة 56 %، فيما 44 % فِتيانٌ، في جامعة ”جورج تاون“.

لو أخذنا مستوى دخل أُسر الطالبات والطلاب، سنجد أن هنالك تفاوتاً، بين أثرياء، ومتوسطي الدخل، ومحدودي الدخل؛ وأولائك الذين يعتمدون على المِنح حيث تبلغ نسبتهم في ”جورج تاون“ 13 % من مُجمل الدارسين، وإن كانت الطبقة المتوسطة العُليا، تُشكل نسبة وازنةً في كثير من جامعات ”النخبة“ الأميركية وليس في جورج تاون وحدها، وهم في الغالب من يكوِنُون تالياً ”القوة الضاربة“ للنخب العلمية والثقافية والسياسية، ومن يصبح لهم تأثير أكبر، دون أن يعني ذلك غياب أدوار الطلبة الآتين من الطبقات الفقيرة أو الثرية، لأن المعيار هو النبوغ والاجتهاد واقتناص الفرص، وليس المال وحده.

النسب أعلاه هي نموذج عن تلك الموجودة في أغلب جامعات ”النخبة“، وإن تفاوتت بين واحدة وأخرى، فهذه الأرقام ليست ثابتة، أو حادة، بل مرنة، تختلف من سنة لأخرى، وبحسب أعداد الطلاب، وسياسة كل جامعة.

ما الذي تعنيه هذه الأعداد، وما دلالتها؟

تلك ليست أرقاماً جامدة عمياء، بل تعطي رسالة عن أهمية وجود التنوع داخل الحرم الجامعي، وأن لا يكون مساحة لفئة دون أخرى. وهذا التنوع الديني والعرقي والثقافي والجندري، هو عنصر رئيس من عناصر قوة وثراء كل مؤسسة أكاديمية.

عندما يكون هنالك طلاب مختلفون، لا يتشابهون في كل شيء، يجلسون مع بعضهم البعض في فصول واحدة، يجرون أبحاثهم، ويمارسون السؤال والاستفهام والنقاش المفتوح غير المقيد، ويذهبون للمختبرات سوية، كل ذلك من شأنه أن يذيب جليد ”العنصرية“ ويقرب بين المختلفين، ويحد من التمييز العرقي أو الديني أو سواهما.

الطلبة لا يتلقون الدروس والعلوم الصلدة في الجامعات وحسب، بل يكتسبون خبرات لم تكن متاحة لكثير منهم في مراحل الدراسة الباكرة، ولذا، انفتاح الجامعات ثقافياً أمرٌ يؤثر إيجاباً على الطلاب، والمجتمع، ويرفع من المستوى الأكاديمي، وللحديث بقية.