آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

إذا شككت البالون بهذا الدبوس

سوزان آل حمود *

دلت كثير من النصوص الشرعية على تحريم إيذاء المسلم بأي وجه من الوجوه، من قول أو فعل بغير وجه حق، ووجوب رفع الأذى عن المسلمين، قال تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً الأحزاب: 58.

كما ينبغي على الانسان أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام الذي يؤذي به الاخرين، إلا كلامًا ظهرت فيه المصلحة، فان هذا صريح وينبغي على الانسان أن لا يتكلم إلا إذا كان الكلام خيرًا، وهو الذي ظهرت مصلحته، واذا شك في ظهور المصلحة، فلا يتكلم‏، لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير؛ عبارة إذا شككتُ البالون بهذا الدبوس سمعتها منذ نعومة أظفاري في برنامج إفتح ياسمسم أبوابك، كان حقيقة برنامج توعوي تربوي بكل معنى الكلمة تربينا على هذه النظرية مادام أي أمر يعتريه سوء أو إلحاق ضرر بالأخرين وجلب مضرة لنا أو للأخرين نتركه.

وهنا يعود بي الزمان حتى يقف على أدراج الطفولة عند استذكار أي شيءٍ من الماضي، فكيف لو كان أجمل برامج الأطفال التي تابعناها حلقةً بحلقة، واستمتعنا واستفدنا منها كثيرًا منذ نعومة أظفارنا، فتجمهرنا أمام الشاشات ساعات طويلة لمشاهدة برنامج افتح يا سمسم، ولا أنسى لحظات ترديد أغنية الشارة “افتح يا سمسم أبوابك نحن الأطفال … افتح واستقبل أصحابك نحن الأطفال”، فأي نهرٍ من البراءة كان يتدفق منا في تلك اللحظات من حياتنا، لم نرى عينات البشر الذين يعشقون ايذاء اخرين وهم لايعلموك انهم بهذا سببوا الايذاء لأنفسهم.

هذا النوع من البشرالذين يعيشون على إيذاء الآخرين، ويحملون أكثر الأمراض الاخلاقية شيوعا، وهي الحقد والحسد «لاسيما في مجال العمل حتى وإن كانت المسميات والمناصب الوظيفية مختلفة» فهم يسعون لتدبير المكائد والدسائس التي حذر منها الاسلام ووضع لها روشتة لمواجهتها ومواجهة غيرها من السلوكيات المنافية لتعاليم الدين الحنيف.

ورغم أن هناك الزجر النبوي الغليظ عن داء الحسد الفتاك إلا ان الواقع يكشف عن استشرائه وانتشار تعاطيه على نطاقات واسعة بين مختلف فئات المجتمع واعراقه واجناسه، ونتج عن ذلك انتشار الأمراض النفسية والشيطانية الغامضة والمحيرة لذوي الاحلام والألباب، فأصبح من شبه المتعارف عليه المعتاد ان اي بيت او اسرة لا تخلو - في الغالب - من حالة تؤرقها إما في احد افرادها او في منزلها او في كسبها، وتتعدد التأويلات والتخمينات بتعدد الحالات، فهناك من أرجع أزمة النفس الشديد الملازم له الى العين، وهناك من أرجع مشاكله الاجتماعية والعائلية التي تقض مضجعه وتهدد اسرته بالتفكك والتشرد الى السحر او الجن او غير ذلك، ومن الممكن أن يكره المرء نفسه لدرجة غير معقولة. وقد يمقت المرء مظهره، أو يشعر بأنه لا يجيد شيئاً، أو أنه يُعامل الآخرين معاملة سيئة. وهي أفكار تسبب اندفاعات بالرغبة في إيذاء الآخرين أو إيذاء النفس.

والكل مهما تعددت الاعراض واختلفت متفقون على ان الاصل في معاناتهم هو الحسد الذي حمل حاسديهم على تدبير المكائد لهم والمكر لتحويل حياتهم من حال العافية والاستقرار الى حال التعاسة والشقاء.

قال تعالى ﴿والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا.

الحديث ”لا ضرر ولا ضِرار“ هو قاعدة عظيمة عند أهل العِلم، مع قصر ألفاظه واختصار كلماته إلا أنه يشتمل على قواعد وليس على قاعدة واحدة.

ومعنى ”لا ضرر ولا ضِرار“ أن الإنسان لا يجوز له أن يضرّ بنفسه ولا بغيره.

ومن هنا يتبيّن خطأ من يقع في الموبقات والمهلِكات، أو يتعاطى السموم كالتدخين، ثم يقول: أنا حُرّ! هو في الحقيقة ليس حُرّاً، فهو مُخطئ من جهتين:

الأولى: أنه يظن أنه حُرّ، وهو عبدٌ لا ينفكّ عن العبودية، سواء عبودية لله أم لشهوته.

الثانية: أنه أضرّ بنفسه، وأضرّ بصحّته، بل في الغالب يضرّ نفسه ويضرّ غيره.

فالمدخِّن مثلا يضرنفسه ويضرّ غيره، فيما يُعرف بالتدخين السلبي. ويضر أطفاله، سواء في أثناء الحمل أم خلال الاستنشاق.

دعوة من القلب للرجوع لبرنامج إفتح ياسمسم أبوابك لتصحيح ما أفسدته التقنية في الجيل فلقد عاصرنا شخصيات كثيرة في البرنامج تعلمنا منها أشياءً مفيدةً ورائعةً، فكان لكل من هذه الشخصيات الأثر العميق في شخصياتنا وتصرفاتنا وغيرها، وبالرغم من قوة المحاكاة ما بين شخصيات النسخة العربية والنسخة الأصليةالامريكية إلّا أنّ لكل منهما كان له الأثر في مجتمعه من خلال ترويض بعض الشخصيات وتطويعها ما بين النسختين.

يمر الزمان بنا ونكبر وقد تنسينا متاعب الحياة ما فات من طفولتنا، لكن كن على ثقة بأنّه بمجرد أن تمر أي إشارةٍ تُذكرك بتلك الأيام الجميلة المفعمة بالبراءة ستجلس كلك أذان صاغية، وكأنّ العمر عاد بك حقًا لتصبح طفلًا صغيرًا، فلدي كل الود أن أستعيد مسلسلات كرتونية عربية لا يمكن نسيانها وغيابها عن الذاكرة يومًا، وتلك الحكايات العالمية التي تعلّم الأطفال كيف تكون الحياة وتغرس مكارم الأخلاق وتصلح ما أفسده الدهر.