آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 1:52 ص

مشروع من بداية القرن العشرين: رصيف سفن داخل أسواق القطيف

عبد الرسول الغريافي

إنه المشروع الذي حالت الظروف دون تنفيذه!

مشروع كهذا قد لايخطر على بال الكثير وخصوصا من الجيل الجديد بل وقد يستبعده الجميع منهم نهائيا وخصوصا هؤلاء الذين ولدوا في زمن لم يشهدوا البحر فيه متاخما لأسواق القطيف إذ لم يفصل بينه وبين السوق في تلك الآونة إلا طريقا لايتجاوز طوله الخمسمائة متر وعلى جانبيه عدد من بساتين النخيل تمتد من شاطئ البحر شرقا إلى السوق غربا، فعلى الجانب الشمالي لهذا الطريق تقع عدة بساتين تابعة لحي الشريعة والتي كان أكبرها بستان بديعة البصري وقد تحولوا جميعهم فيما بعد إلى «فريق» تابع لحي الشريعة عرف بالبديعة. ويفصل بين الطريق وتلك البساتين جدول مائي هو امتداد لساب أبو اكحيل الشهير والذي يمر بمحاذاة الجانب الجنوبي من حي الشريعة متجها شرقا حتى تصب نهايته في البحر، وإلى الزاوية الشرقية الجنوبية من بديعة البصري تم إنشاء سوق العومه ومقصب القطيف «المسلخ» واللذان تم افتتاحهما في بداية الستينات من قرن العشرين الماضي «1382 الموافق 1962» وقد تمت إزالة المسلخ ونقله إلى المزروع في منتصف سبعينات قرن العشرين الماضي وبنيت مكانه حمامات أزيلت فيما بعد.

ثم يستمر امتداد هذا الطريق فيتقاطع معه شارع الفتح مشكلا حرف T ويمضي في الإمتداد ليمر على بستان الفلاتيه من الغرب والتي أصبحت فيما بعد مجمع لأسواق السمك والخضرة واللحم والفواكه.

وأما الجانب الجنوبي من هذا الطريق فهو الذي تقع فيه بساتين حي الكويكب كبستان نتفة العجمي ونخل الميلاد والحر وغيرهم، وفي هذا الجانب أيضا هناك مايفصل بين تلك البساتين وهذا الطريق وهو جدول مائي يصنف بالمرمى عند الفلاحين وهو الذي يستقبل فاضل مياه الري لتلك البساتين ليلقي بها في البحر أيضا. لقد تحولت نخيل هذين الجانبين إلى أحياء سكنيه وبعضها أصبحت محلات تجارية وبعضها من الجانب الشمالي قد أصبحت مفرش لمزادات بيع الأسماك وبقي الطريق كما هو عليه الآن وقد امتد ليصبح شارع بدر اليوم متقاطعا مع شارع الجزيرة شرقا ويستمر حتي ينتهي متصلا بشارع القدس مشكلا معه حرف T، فهذا الشارع كان طريق يضيق في مناطق ويتسع في مناطق أخرى، ولو تتبعناه من الجهة الغربية لوجدناه ينعطف يمنة ويسرة ثم يتغلغل بين أوساط القرى الغربية التي تلي حي الدبيبيه، كالتوبي والحلة والخويلدية وبعدها يبدأ في الدخول بين بساتين نخيل تلك القرى إلى أن يصل إلى البذراني «البر».

أما عندما يتجه إلى الشرق بدءا من شمال الدبيبيه فإنه يشق سكة الحرية ثم يمر بجانب المدخل الجنوبي للسكة الكبيرة فالجبلة من جهة الجنوب أيضا وفي الأخير يمر بين النخيل الآنفة الذكر حتى ينتهي عند الساحل البحري والذي كان مرمى لتجميع النفايا عند حافته، وقد عرفت هذه الحافة البحرية بالسماده والتي استمرت البلدية فيما بعد إفراغ شحنات ناقلات النفايا فيها وحرقها حتى وقت دفن تلك الحافة البحرية حين جاء قرار تحويلها إلى منطقة سكنيه بدءا من منتصف السبعينات للقرن العشرين الماضي فأصبحت بعد دفنها حي الجزيرة وحي الخامسة وتلتها أحياء أخرى عن يمينها وعن شمالها.

إن شارع الجزيرة اليوم والممتد من الجنوب إلى الشمال كان هو الحافة الساحلية للبحر والتي تقرر أن تنطلق منها بداية حفر قناة تتجه من الشرق إلى الغرب حتى تنتهي عند سوق الجبلة من اليمين وتكون المنصورية على اليسار «راجع مقال ماذا تعرف عن منصورية القطيف»، وبهذا يكون أمام هذه القناة مدخلي السكة الكبيرة وسكة الحرية واللتان تقودان إلى بقية أسواق السبخة وأسواق مياس وأسواق الحرفييين أيضا.

إن الغرض من حفر القناة هو أن تدخل السفن «اللنجات» إلى السوق مباشرة لتفرغ شحنات البضائع منها وكذلك لتشحن البضائع من وسط السوق دون الحاجة إلى وسيط ينقلها من الجمرك إلى السوق ودون تحمل مشقات النقل البسيطة والتي تعرف بحمير السيف أو حمارة السيف «بتشديد الحاء». من الواضح أنه لابد من أن تكون لتلك القناة أرصفة على جانبيها يتم توجينهما بالحجارة والجص المحروق المقاوم لرطوبة حتى المياه المالحة تماما كما هو في الرصيف الممتد من مسجد الإمام بحي الكويكب والذي يتوسط البحر ليمر على فرضة الغواصين القديمه مشكلا جسرا طويلا تمر أسفله المياه إلى بحيرة تبلغ مساحتها أقل من 1000متر مربع متاخمة لبساتين النخيل والتي قد فصلها هذا الجسر عن البحر وعن الفرضه القديمه التي كانت تنطلق منها سفن الغواصين، وقد كانت هذه البحيرة المفصولة تعرف بالغليل وقد وجنت وجصصت من ثلاث الجهات لتكون حوض يقوم فيه القلاليف بصيانة وإصلاح السفن «اللنجات». هذا الجسر يوصلنا إلى بقية البساتين الجنوبيه التابعة لسيحة الشويكه كالمنقوله والعماره.

فتلك القناة المزمع تنفيذها «في ذلك الوقت» لابد لها أن تبنى على غرار هذا الرصيف الذي فصل بين البحر وحوض الغليل وذلك بالطريقة المعروفة محليا «التوجين بالجص». ومن المنطق أيضا لابد وأن يكون على جانبيها ضفتان شمالية وجنوبية من أجل العبور والمشي وكذلك لسير الدابة عند دخول الأسواق. فبهذا يمكننا تقدير عرض هذه القناة بأنها تتفاوت بين 15 مترا إلى 20 مترا وذلك لتمكين دخول وخروج سفينتان في آن واحد. ولابد للسفينة المحملة بالبضاعة أن تدخل جمرك القطيف أولا لتسجيل الدخول الرسمي ومن ثم إما أن تدخل بحمولتها الى القناة مباشرة أو تفرغها في قوارب صغيرة تعرف بالقلص او العبره لتنقل البضاعة إلى قلب السوق، وكذلك لشحن بعض البضائع من سوق الجبله كقلال التمر التي تصدر إلى دول الخليج بالإضافة إلى أكياس «أخياش» السلوق التي كانت تصدر إلى الهند وأفريقيا.

لقد تواترت أخبار قصة هذا المشروع الذي أعد تخطيطه من أجل تمكين السفن من الإرساء في وسط السوق على ألسنة الكثير من رواته الذين شهدوا أيامه أو نقلوه عمن أخبرهم به من إبائهم وأجدادهم.

ولكن تشاء الأقدار أن توقف مضيه دون أن ينفذ! إذ حالت الكثير من الإنشغالات بما هو أكثر أهمية منه بالإضافة إلى وقوف الظروف العاتية لتمنع الشروع في بدء خطاه حتى تصرمت الأيام دون الولوج في تنفيذه ومضت معها أصحاب تلك الفكرة إلى مثواهم الأخير، إنها الفكرة التي كانوا يرون في تنفيذها مايعود على المجتمع بالنفع الكبير من حيث تسهيل أمورهم في تلك الآونه، وأما ظروف هذا الزمان فلا شك أنها ظروف متغايرة عن متطلبات ذاك العصر حيث اقتضت رياح المصلحة العامة بأن تجري بعكس قرار ذاك الزمان تماما بحيث لو افترضنا أن أشخاصا ممن عاصروا تلك الأيام قد عادوا إلى الحياة مرة أخرى لعجبوا من أمر هذا التغير المعكوس تماما! فبدلا من أن تحفر اليابسة لتوسيع رقعة البحر في داخلها فقد أمتد لسان اليابسة إلى أعماق البحر ليسد الحاجة السكنية لذلك الانفجار السكاني بتوفير الأراضي السكنية لهم. عندها سيدرك من عادوا إلى الحياة ثانية «افتراضا» أنه لكل زمان ظروف تتماشى مع طريقة العيش فيه ونوعية احتياجاتهم وإن كان في دفن بعض أجزاء البحر حرمان من بعض خيراته.









التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
خادم القوم سيدهم
[ جزية تاروت ]: 13 / 10 / 2020م - 2:49 م
نرجوا من الاستاذ التواصل ونرجوا من جهينه اعطاء الاستاذ مساحه مخصصه لذالك ((القطيف ام الخير في الماضي والحاضر والمستقبل))شكراً استاذنا القطيف تستاهل وانت خبير بذالك فلا تبخل علينا الف رحمة على والديك()