آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 5:59 م

الفسحة المالية وفسحة الأمل

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة الاقتصادية

بالأمس كانت العضو المنتدب لصندوق النقد الدولي تتحدث عن الأوضاع المالية للدول في ظل تداعيات كورونا، ليس فقط على اقتصاداتها، بل كذلك على قدرة تلك الدول على تمويل ميزانياتها. وكذلك أخذا في الحسبان أن خطر تفشي الفيروس ما زال داهما، فيما يسمى اصطلاحا بموجة ثانية. فحتى الآن أصاب الفيروس 40 مليون شخص، وكان سببا في وفاة مليون منهم، ما يعني أن إنفاق الدول للتعامل مع التداعيات الصحية والاقتصادية للفيروس ما زال قائما، بما يتطلب مزيدا من المال الذي على الخزائن العامة تدبيره. حتى في دول ”موجة ثانية“، فإن ما تطلبه الإنفاق في اقتصاد ضخم، كالولايات المتحدة قد يبين القصد، فعجز الخزانة الأمريكية للسنة المالية المنتهية في نهاية أيلول «سبتمبر» 2020 بلغ 3,1 تريليون دولار، وهو الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة دون منازع، ويوازي ثلاثة أضعاف العجز في العام المالي الذي قبله. وأدى ذلك إلى أن تخطى إجمالي الدين العام، من حيث القيمة، الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الإنفاق العالي سيستمر، فالشأن الاقتصادي المتصدر هناك حاليا هو توفير مزيد من الإنفاق، والرقم المتداول في فلك تريليوني دولار إضافية. لماذا كل هذا لحفز النمو الاقتصادي، فهو الأولوية. والعالم ككل ليس أفضل حالا، فقيمة الدين العام الحكومي توازي حاليا الناتج المحلي الإجمالي العالمي. على الرغم من ضخامة ما اقترضته الولايات المتحدة للتعامل مع تداعيات كورونا، إلا أن دول العالم - بلا استثناء يذكر - اقترضت نحو 11,7 تريليون لتغطية العجز في موازناتها، بما في ذلك الصين ومنطقة اليورو.

التحدي الذي يجد مسؤولو المالية في دول العالم أن عليهم مجابهته هو أن مزيدا من الإنفاق ينبغي أن يوجه للتعامل مع عودة استفحال تفشي الفيروس، وإلا فإن آفاق التعافي الاقتصادي قد تتراجع. والمخرج لعديد من الدول هو ”فسحتها المالية“، أي قدرتها على تمويل متطلبات الميزانية العامة، فالجائحة جعلت ميزانيات الدول تعاني عجزا، وستعاني الدول التي لا تمتلك مخرجا لتمويل العجز من احتياطياتها أو بالاقتراض أو من المزاوجة بين الأمرين. هذه هي الفسحة المالية، ويشترط فعل ذلك مع الحفاظ على الاستدامة المالية. وهذا ما دأبت السلطات المالية السعودية على فعله منذ بداية جائحة كورونا، فضلا عن مبادرتها للتجديد قبل أسابيع قليلة لعديد من المبادرات التخفيفية لأشهر عدة قادمة. وهذه الفسحة المالية تعززت بإعادة هيكلة مصادر تمويل الميزانية العامة للدولة عندما أطلق برنامج إعادة الهيكلة قبل ما يزيد على خمسة أعوام.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى