آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

تَشَوّه معرفيّ _ علاقة بائدة

ليلى الزاهر *

تختلف نظرة الإنسان لمجْريات الحياة، فكلّ إنسان له نظرته المختلفة عمقًا وضحالةً وهي التي تتحكم في انطلاقة عمله أو انحسار مدّه.

‏أصيبت فتاة عشرينية بصدمة عاطفية كلفتها العلاج في أحد المصحّات النفسية لبضع شهور لأنّها أبدعتْ في حب خطيبها،

وبذلت صنوفا متعددة من التضحيات من أجله، لكنه عاش النّكران في أعلى مراتبه، وانتهت علاقتهما بتسريح الفتاة بإجحاف.

ليس عيبا أنّ نحبّ بإخلاصٍ وصدق على أن يدفعنا ذلك الحب لأعلى مقامات الإنسانية، وألا يصرفنا عن واجبنا الإدراكي لمعرفة حقيقة الأشخاص من حولنا فنقع في شرْك التّشوّه المعرفي في العلاقات.

والتشوّه المعرفي مصطلح يُشير إلى الأفكار المبالغ فيها، أو الأفكار اللاعقلانية، والتي قد تتسبب في اضطرابات نفسية بحسب تفكير الإنسان ومزاجه ومعالجته لمشاكله الخاصة.

وقد أسس الطبيب النفسي آرون بيك هذه الدراسة وفاض في البحث فيها ثم توالت النظريات التي طورتها وعدلت من نتائجها..

من التشوهات المعرفية في العلاقات التي تعيشها أن تُصاب بصدمة من قريبٍ قد رسمت له في مخيلتك صورة مبدعة عنوانها العطاء، ورفعتَ سقف التوقعات الحسنة به، بينما أنت أسأت تقدير ذلك، ولم تُتقن رسم علاقتك به جيدا، فاستطاعت حسابات الظروف أن تجعله بريئًا مما نُسِب له. فلا شأن له بتوقعاتك الشخصية، ورأيك الشخصي به مجرد رأي لاحقيقة دامغة تخصّه.

هذا الشخص ساعدك على رفع سقف الخذلان مع أقرب الناس، وهذا الأمر ليس بمستغرب على الإنسان الذي وصفه الله تعالى بجحوده لبارئه فقال: ﴿إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ «سورة العاديات، 6»

ومن أصعب التشوهات المعرفية التي تؤذي بها نفسك تضخيم الأمور وإنزالها رتبة غير رتبتها.

فهناك من يعيش تهويل الأمور، لايرحم نفسه ويعذّب من حوله، يكيل الأحداث بمكيال خاطئ، ويفسرها بحسب وجهة نظره.

ينتهي الكون عند هؤلاء الفئة من الناس بحدث مُضخّم يلبسونه لباس الكارثة، بينما هو في حقيقة الأمرِ حدثٌ عابر في أجندة الحياة المليئة بالمتغيرات بين مُفرح ومحزن.

إن تضخيم الأمور وإدراجها في مكانها غير الملائم يؤدي إلى كتابة سيناريوهات خاطئة غير معافاة نفسيًّا، تمرّ في المسالك الشائكة لسوء الظن بالله تعالى وحجب الطاقات الإيجابية عنك.

كما أنّ تعظيم المواقف العابرة بحساب عظيم يصدمك بمواقف كبيرة فيجعلك تندم على حياتك السابقة.

يقول الإمام علي : ﴿من عظّم صغائر الأمور ابتلاه الله بكبارها.

وقد يتطور الموضوع عند هواة تضخيم الحدث إلى إغلاق أبواب الاطمئنان النفسي والسلام الذاتي بسبب قلة اليقين بالله تعالى وإنهاك الجسد والعقل باستهلاك مفرط في التفكير الذي يتحول لمرض مزمن شيئا فشيئا.

إنّ بثّ الطاقات السلبية في مُحيطك يمنعك صفاء العيش ويحول دون رؤيتك النورانية فتعيش ضبابية قاتمة لاتنقشع إلا بضريبة كبرى في صحتك النفسية والجسدية معا.

لذلك فإنّ العقلاء من الناس هم من يؤمنون بإنّ التّمتع بجودة الحياة النفسية والاجتماعية والأسريّة ينبع من الإيمان بجودة القدر والإيمان بالأرزاق الإلهية.

يقول الرسول الكريم ﷺ: ﴿لن تموت نفسٌ حتى تستوفي رزقها وأجعلها.

والإنسان المبدع في علاقاته الاجتماعية يلاحظ تلك التشوهات المعرفية ويتجنب الوقوع فيها.