آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 9:00 م

الاحتكار.. أصحاب العقار فك مفترس

تعد ممارسة الاحتكار من الأمور المذمومة اجتماعياً والمحرمة شرعاً والمحاربة حكومياً. حيث يعتبر الشارع المقدس أن الاحتكار ممارسة فاسدة أخلاقياً ومفسدة اجتماعياً ومدمرة اقتصادياً، لأنها تهيمن على موارد المجتمع المهمة، دون أي رحمة أو شفقة وبلا مبالاة في تدمير البنية الأخلاقية والاقتصادية المجتمعية.

إن ممارسة الاحتكار يقود إلى غياب المنافسة وانعدامها ومن ثم السيطرة على السوق وبسط الهيمنة على الحاجة الاجتماعية، وفرض منتجها بصرف النظر عن الجودة وفرض السعر الذي تريده نظراً لحاجة لآخر له.

هذه الممارسة العفنة ونظرا لمنطلقها الشيطاني المتمثل بالأنانية الشخصية، والمدمرة للمجتمعات البشرية، قامت الحكومات بمعاداتها ووضع البرامج الاقتصادية العديدة لمحاربة هذه الآفة الخطيرة على كل الصعد.

إن الاحتكار يهدد كيان المجتمع أخلاقيا واقتصاديا لما يحدثه من حالة من عدم التوازن في البيع والشراء، باعتبار المحتكر هو المسيطر الوحيد على السوق، بما يتعلق بأهم ركيزتين مهمتين في السوق وهي العرض والطلب، وهذا كله على حساب الطبقة الكادحة في الدرجة الأولى، ولأنه يتعامل بمفهوم كسر العظم، لهذا ينبغي على الجميع محاربته وإبعاد شبح هذه الممارسة غير الإنسانية من المجتمعات، لضمان حالة التوازن الاجتماعي واستقرار الحالة الاقتصادية عند العرض والطلب، وضمان الاستقرار المعيشي للجميع.

وهنا أسلط الضوء على الأزمة التي نعايشها جميعا في وقتنا الحاضر، وهي أزمة تملك المسكن أو أزمة المواطن مع تجار العقار، المتملكين لهذا الغرض الحياتي المهم، حيث أصبح العقار أزمة برغم توفره، بل حلما حياتيا يراود كل مواطن، والمتسبب في صنع هذه الأزمة هم تجار العقار بالدرجة الأولى، بسبب طمعهم وجشعهم غير المبرر عقليا ومنطقيا، مستغلين في ذلك حاجة المواطنين لهم، لتحقيق زيادة في الأرباح المبالغ بها، ولأجل التفاخر بانتفاخ أرصدتهم البنكية، على ظهور الشريحة الاجتماعية الضعيفة والكادحة والمتوسطة ذات الدخل المحدود.

ألا يعلم هؤلاء المحتكرون، أن تحقق حلم مواطن بتملك أرض ذات مساحة ثلاثمائة متر مربع أو أقل له ولأسرته، قد يكلفه ذلك عناء سنين طوال من عمره، وحرمانه واسرته من متع الحياة لفترة ليست بالقصيرة، وقد لا ينالها، بسبب ما خلف من ورائه من ديون مالية أثقلت كاهله وقد تكسر عموده الفقري، فضلا عن المتاعب النفسية والجسدية، في ظل حياة تتعاظم فيها الصعوبات في مواجهة شبح التكاليف الحياتية والمتغيرات المتسارعة.

هل سألتم أنفسكم أيها المحتكرون عن هذا الحرمان الذي تسببونه لشركائكم في الوطن على الصعيد الفردي والأسري والاجتماعي، والذي تتحمل عناءه الطبقة الاجتماعية ذات الدخل المحدود، وهم الفئة الكادحة المغلوب على أمرها، ومن المسؤول عن ضياعها وتدميرها؟ الستم أنتم أصحاب الممارسة الاحتكارية والجشعة، والعجب كل العجب أنكم أيها المحتكرون تدعون أنكم وطنيون وتحبون الوطن، وأنتم أول من يشهر السلاح ضد الوطن والوطنية بفعالكم وطمعكم وجشعكم غير المبرر، وسوء رغبتكم في التحكم على رقاب العباد، والتلذذ بتعذيبهم نفسيا وجسديا، وقد ورد عن رسول الله ﷺ: ﴿من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس.

من يدعي الوطنية فعليه أن يعلم بأن الوطنية تعني الشراكة الحقيقية في بناء الوطن، لا استغلال موارد الوطن والمواطن. الوطنية شرف كبير لا ينالها إلا من قدم الغالي والرخيص وكل ما يملكه في سبيل الوطن وأخيه المواطن، لكي ينعم الجميع بروح الوطنية وحب الوطن، يجب على المحتكرين لبعض موارد الوطن، إذا أرادوا أن يكونوا وطنيين حقيقيين أن يضعوا أيديهم وكل ما يمكنهم في مشروع الدولة والمواطن، وهو تسهيل السكن لكل مواطن بيسر وسهولة، ولا يكونوا سبب عبء على الدولة والمواطن.

ما حُرّم الاحتكار في الشرع إلا لأنه يسبب التضييق على العباد، والاحتكار غدة شيطانية تسبب الهلاك والدمار للبلاد والعباد، وقد جاء في الحديث الشريف: الجالب مرزوق والمحتكر ملعون.

هي كلمة صادقة أرجو ان يكون لها الأثر البالغ في نفوس هؤلاء المحتكرين، وإن يراجعوا ضمائرهم، ويصححوا مسار رزقهم، فهناك فرص سانحة في حياة كل إنسان، ان فاتته فوت عليه سعادة الدنيا والآخرة، الا وهي استيقاظ الضمير من سباته.