آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 12:12 م

الفقيه آية الله السيد محمد رضا الشيرازي عنوان للتخلق

يعد الذهب والفضة وجميع أنواع الزينة الثمينة، من أهم المفاخر التي يتفاخر بها الإنسان، لأنها الركيزة الاقتصادية في كل زمان ومكان، وكذلك هم أهم الضمانات الحياتية، التي يرتكز عليها الإنسان في حياته وبعد موته، بل لضمان استمرارية من بعده بحياة رغيدة، وكلما احتفظ بهذه الثروة الثمينة، كلما ضمن استقرار حياته ومكانته الإنسانية والاجتماعية في رفاه ورغد.

الأخلاق والخلق العالية يشكلان ثروة إنسانية واجتماعية ودينية، فالأخلاق والتخلق يعتبران أهم زينة وثروة دينية وإنسانية واجتماعية يكتسبها الإنسان، فهما صمام أمان له في الدنيا والآخرة، حيث روي عن رسول الله محمد ﷺ قوله: أكثر ما تلج به أمتي الجنة تقوى الله وحسن الخلق، يعمران الديار ويزيدان في الأعمار، وعنه ﷺ: إن حسن الخلق يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم.

لقد ورد في القرآن الكريم والسنة الطاهرة الشيء الكثير من التوجيهات حول الأخلاق والتخلق، بل أعطى الله الأخلاق منزلة ومكانة الهدف من الدين والعبادات، حيث أوضح ربنا هذه الحقيقة بأن غاية ما يرجوه الله من عباده بواسطة تلك الطاعات والعبادات الواجبة والمباحة، هي أن يصل العبد إلى درجة عالية من الأخلاق والتخلق، وقول الله تعالى على لسان نبيه الأكرم محمد ﷺ: ”إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق“ لهو دلالة واضحة على هدفية وغاية الأنبياء والمرسلين ، بتعزيز ثقافة الأخلاق وتطويرها والسعي إليها، وإن سلم العبادات الدينية، هو سلم التدرج للوصول للغاية وهي تمتع العبد بالأخلاق العالية والمتميزة.

فسماحة آية الله الفقيه السيد محمد رضا الشيرازي رحمه الله، كان واحدا من الذين اهتموا بطلب العلم، وقد بلغ درجة عالية من العلم والاجتهاد في سن مبكرة جدا، وعلى ضوئها ألف كتاب ”الترتب“ الذي يعده الفقهاء والمجتهدين والمتخصصين من الكتب الفقهية التخصصية في فهم آلية استنباط الحكم الشرعي من القرآن الكريم والسنة المطهرة، فضلا عن دروسه في البحث الخارج التي نالت شهادة الكثير من العلماء بالتميز في تقريب الفهم، وكذلك في وساعة ما يحيط به من العلم والإدراك في غالب الجوانب العلمية، وهذا أيضا قد كشفته دروسه ومحاضراته التي يلقيها وتبث لعامة الناس من خلال القنوات القضائية، حيث إن أسلوبه ومحاضراته قد سحرت كل من يستمع إليه من الوهلة الأولى، وما زالت محاضراته إلى هذا الوقت وإلى مدى بعيد ستبقى مؤثرة ومفيدة، وستظل محاضراته ودروسه ومؤلفاته موضع تأثر في الآخر وخاصة في الجانب العلمي والأخلاقي، وكان كثير من العلماء الربانيين يأملون ويستنبئون له بمستقبل مرجعي باهر، لما يحمله من علم واسع جدا في الفقه والأصول والحديث، ومن ثقافة واسعة ومتنوعة وتاريخ محقق من كل جوانبه الإنسانية والزمانية والمكانية، وهذا لا يحتاج إلى إثبات دليل، لأن القريب والبعيد قد لمس وتذوق هذه الذائقة العلمية فيه، وهذه الصفات العلمية، وخاصة أهل العلم ومن هم أهل الاختصاص.

وبرغم أن سماحة آية الله الفقيه السيد محمد رضا رحمه الله، يتمتع بعلم غزير وواسع وقد شهد له بذلك كثير من المراجع العظام، بدءا من والده المرجع الراحل سلطان المؤلفين الإمام السيد محمد الشيرازي رحمه الله، وعمه المرجع الحالي المحقق الكبير السيد صادق الشيرازي حفظه الله انتهاء بجمع من علماء كربلاء المقدسة وقم المقدسة، وغيرهم ممن التقى معه أو حضر درسه أو ممن حضر درسهم، حتى قال له أحد المراجع العظام ومن المقلدين الفعليين على الساحة الإسلامية، وقد بلغ به العمر عتيا، أي تجاوز التسعين عاما ”سيدنا الجليل حضروكم درسنا تواضع كبير منكم، وهو في الحقيقة يمثل لنا إحراجا كبيرا“، وكأن هذا العالم الجليل الرباني يقر له بالأعلمية والفضل، فكأنه يقول له لا ينبغي أن يلقي الأدنى على الأعلم.

والإجازات العلمية في حق سماحة الفقيه آية الله السيد محمد رضا الشيرازي رحمه الله، من جانب الفقهاء والمجتهدين وأهل التخصص والعلماء الأفاضل لهي كثيرة وعديدة، ولكن التي برزت فيه عند الجميع هي سمة الأخلاق الرفيعة والمميزة، حيث كانت أخلاق سماحته كما يعبر عنها كل من عاشره وجالسه ولو جلسة واحدة بصاحب الأخلاق الساحرة والمبهرة، فقد استطاع سماحته أن يترجم مفاهيم الدين من النظري إلى العملي ومن الوسيلة إلى الغاية، من خلال سلوكه وسكناته على أرض الواقع، بل أدرك معنى ومفهوم وغاية وهدف الدين، وهو تحول الإنسان إلى قالب من الأخلاق وحسن الخلق، لأن الأخلاق هي الكاشفة لحكمة لله سبحانه وتعالى، وهي الطريق السريع لمعرفة الله ووحدانيته الإلهية.

يذكر الكاتب سماحة الشيخ عبد المحسن الصالحي، في مقال له بعنوان ”الأخلاق عند النبي وأهل البيت ، اختلفت الآراء في تعريف الأخلاق، فالذين يعتقدون بوجود الله تعالى، قالوا هي مجموعة الكمالات المعنوية والسجايا الباطنية للإنسان، وبعبارة أوضح إن للإنسان خَلقا وخُلقا، فالخلق هو عبارة عن كمالات الإنسان الظاهرية الجسدية، والخلق بضم الخاء هو عبارة عن كمالات الإنسان الروحية الباطنية، وليست الأخلاق كما عرفها“ فولكيه" بأنها مجموعة قوانين السلوك التي يستطيع الإنسان بواسطتها أن يصل إلى هدفه.

وهذا التعريف يتوافق مع النظرة الشيوعية المادية التي لا تقيم للقيم آية أهمية والمهم عندهم الوصول إلى هدفهم كيفما كان وكيفما اتفق، فهم يقولون إذا كان الكذب يوصلنا إلى غايتنا فهو من الأخلاق، وعلى حد تعبيرهم ”كل شيء يعجل في الثورة الشيوعية فهو أخلاق“.

فسماحة السيد محمد رضا الشيرازي رضوان الله عليه، كشف سر بعث الأنبياء والمرسلين والأئمة ، وهو لأجل تعلم الناس الأخلاق وحسن الخلق والوصول بهم إلى أعلى درجات التخلق، فقد صب جل جهده في التركيز على تطبيق مفاهيم الدين الإسلامي المحمدي الأصيل في كل جوانب حياته وفق مبدأ الأخلاق، العبادية والسلوكية والعملية، لهذا فعله كان يسبق قوله، فأصبح سماحته رمز للأخلاق الحسنة، وقد ترك آثرا كبيرا على الساحة الإسلامية في تمثيله النموذج الأخلاقي والعملي، لأنه امتثل لقول الله تعالى في أن يكون مثالا يقتدى به، عندما نهج، نهج جده رسول الله ﷺ، عندما وصفه ربه وربنا الكريم: ”وإنك لعلى خلق عظيم“، لهذا أدرك فهم مفهوم التخليد الإلهي، بأنه ينبغي أن يكون بواسطة الدخول من بوابة الأخلاق وحسن الخلق، فوفقه الله إلى ذلك، فأخلده الله وخلده التاريخ، وفق ذلك القانون الإلهي، فالسلام عليك سيدي يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حيا...