آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

أم البنين الزوجة الصالحة والأم النجيبة

الارتباط الحقيقي بتلك الشخصيات العظيمة هو استخلاص الدروس والعبر من حياتهم المتجلية في أقوالهم ومواقفهم التي سطروها بأحرف ذهبية، فما يعلي همة المتأسي بهم هو ترسم ما كان يصدر منهم من تصرفات ملؤها القيم الأخلاقية التي تعلي شأن المرء في عالم الكمال والفضائل، وتلك المناسبات التي تحيي ذكرهم فرصة سانحة للوقوف بإكبار ووعي أمام تلك الملاحم التي سطروها.

إننا أمام نموذج فريد من العظمة الإنسانية تجلت في شخصية كأم البنين ، والتي جمعت صفات الجمال الأخلاقي والفكري والروحي الفياض، والذي جعل منها قدوة للأنام في طريق السير إلى الله تعالى والتكامل النفسي.

وأم البنين من تلك الشخصيات التي تنضح حياتها وسيرتها بالمواقف المشرفة والجليلة، وبالتمعن فيها يسكب لنا من ذلك النبع الفياض معين العبر التي نحتاجها في مسيرة التألق والتكامل.

ولعل البيئة والتربية التي تلقتها السيدة أم البنين تمثل أولى المحطات التي نتوقف عندها، فاستجلاء حقيقة شخصيتها ومعرفة عناصر العظمة المجلببة لها بالتألق، وذلك من خلال التعرف على البيئة التي عاشت في كنفها وتلقت منها مداد المعرفة والسلوكيات، ولا غرو أن تكون سليلة الشجاعة والبسالة من قبيلتها بني صعصعة العامريين والذين تشهد لهم سوح المعارك بالبطولة التي لا نظير لها، وهذا العامل - البيئة والوراثة - أشار له أمير المؤمنين في حديثه لأخيه عقيل بأن يخطب له امرأة أنجبتها الفحول، فالمنبت القوي لشخصية الإنسان يرتكز على ما يتغذى به من أمور الوراثة وطريقة التربية التي يتلقاها كما هو مظنة المعادلة ونتائجها، دون إغفال للمكونات الذاتية للفرد والتي تخرج شخصا نجيبا أصيلا من بيئة مخالفة لذلك، وكذلك تردي البعض ممن عاش في بيئة صالحة لم تثمر منه إلا لؤمه.

إن نسل السيدة أم البنين من أبوين اتصفا بالعقل الواعي وصفات الأدب الجامعة للكرم والشجاعة، هو ما خلف فيها نفسا كريمة معطاءة اتصفت بالعفة والرشد، وهذا ما أهلها لتكون حليلة لشخصية عظيمة بمستوى أمير المؤمنين ، وتسطر في بيته آيات الخلق الرفيع وتربية الأبناء النجيبة والتضحيات بأعلى مستوياتها.

فأهم نقاط السعادة الزوجية المستخلص من هذا الموقف هو الاختيار الناجح لشريك الحياة، والذي يقوم على أساس وضع مجموعة من الأسس المتعلقة بشخصيته من جهة أخلاقه وأفكاره وسلوكياته، والتي على أساسها تقوم علاقة ناجحة بين الزوجين ملؤها الانسجام والمحبة والثقة والقدرة على تجاوز محطات الخلاف وسوء الفهم.

والنقطة الأخرى لوجه الألق والرفعة في هذه الشخصية المعطاءة هي كونها أما لأبناء أربعة أحسنت تربيتهم وتغذيتهم الفكرية والسلوكية، فكانوا آية الصلاح والشجاعة والبصيرة والاقتدار في وجه الزمن الصعب والظروف القاسية، فقد عاشوا في أهم منعطفات التاريخ البشري ليسجلوا فيه وجودا مشرفا ومشرقا لا يضاهى؛ ليكشف ما تحلوا به من قيم عالية وصفات رفيعة كانت الأحداث ميدان إبرازها وشاهدا عليها، فالإنسانية النبيلة خير مثال لها السيدة أم البنين وأبناؤها الكرام والذين بلغوا أعلى مدارج الكمال والإيمان الصادق واليقين، والتجسيد العملي للصمود والصبر والفهم الواعي للأحداث والمواقف المشرفة منها.

والحديث لا يتعلق بتكوين نسخ من هذه المشاعل النيرة في عالم العظمة الإنسانية، وإنما الخط والطريقة التربوية للأبناء والتي تسير بهم في طريق البصيرة الواضحة والنبل الأخلاقي، إذ أن تمني الولد الصالح الذي يقر العين لا يأتي من فراغ وإهمال لمتابعتهم، بل يتمثل في جهد عظيم ومتكاتف بين الأبوين يعملان من خلاله على إنبات ثمرة فؤادهما بعناصر التربية السليمة في منطقه وتعامله وسلوكياته، فالسور الأسري الدافيء حاضن لشخصية الأبناء والبيئة التي ينشأ فيها الطفل النجيب، فيتحلى منهما بما يراه أمامه ماثلا من صفاتهم وطبائعهم السليمة، فالقدوة الأسرية الصالحة عامل فعال في تكوين عناصر الألق والرفعة في شخصيته.