آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 3:46 م

قراءة في سمو الإنسان

كيف يمكنني أن أصل إلى مرحلة النضوج الفكري واكتساب المهارات اللازمة للنظر في المفاهيم والأحداث والمواقف وتقييمها والبحث في تفاصيلها، بحيث أستطيع التأمل في الأزمات والمشاكل والنظر في جوانبها ومحاولة الوصول لحلول مقبولة وناجعة؟

تتعدد مصادر التغذية الفكرية والتزود بالمعارف المتعددة ووسائلها، ولكن من أهم تلك المصادر هي تجارب الآخرين وقراءة تلك المواقف في الزمن الماضي، وما جناه الأفراد والمجتمعات من تجارب وخبرات تقدم قبس معرفة ووميض فكر يمكنه أن يقدم قراءة لواقعنا ومعاناتما وآمالنا، فإن الأسس العامة للنجاح أو الإخفاق وإن كانت تختلف في شيء من تفاصيلها بين حقل علمي وآخر، ولكن الأسس هي الانفتاح الفكري والبحث والطموح وترتيب الأوراق واستغلال الأوقات والحوار الهاديء واستخلاص العبر من مواقف الآخرين، هي مباديء ثابتة ووازنة تمكن المرء من البدء في أي مسار ليس بخالي الوفاض من المزودات المعرفية والفكرية.

وأما الحديث حول تلك الأفعال والتصرفات التي تكسبنا التكامل والاقتدار في شخصياتنا، فإن حياة كل فرد لا تخلو من العقبات والمتاعب والعراقيل والأزمات، وما لم يكن متزودا بالقدرة على المواجهة والمعالجة والبحث عن الحلول والبدائل، والقدرة على الثبات والحفاظ على الثقة بالنفس وتحمل المصاعب، كلها ترجع لعامل واحد هو القوة النفسية والوجدانية الذي يمكن بواسطتها الاستمرار بهمة عالية.

السمو والعظمة في شخصية كل إنسان تكشفها المواقف الصعبة والمؤلمة التي يمر بها وطرق معالجته لها وتجاوزها دون المساس بهمته بأي شيء من الضعف أو اليأس، فهل يتوقع أي واحد منا أنه يوجد من مر طريق نجاحه وإنجازه بدون مصادفة الصعوبات وإخفاقات في مرحلة ما، ولكن الفارق بين فرد وآخر هو القدرة على المواجهة وتحمل مسئولية أي موقف أو خطوة يقدم عليها من عدمه، فكم من إنسان سقط في وسط طريق عمله ومشروعه بسبب ضعف نفسه وصراخه من الألم، وفي المقابل هناك من يعد أحد أسرار نجاحه في قدرته على تحمل آلام الماضي والمواقف الصادمة، وذلك من خلال امتصاص المفاجأة والصدمة والبدء في البحث عن الأضرار والاحتمالات الممكنة لتجاوز تلك المحطة الصعبة بأقل قدر من الخسائر والأضرار؛ ليجعل من كل صفعة ألم تلقاها درسا يسانده في المستقبل ويشد أزره في تحمل المزيد من الآلام.

وإن عرجنا على سمة التقدم والإشراق في تعامل الإنسان وما يكسبه المقبولية والمحبوبية وراحة البال هو روح التسامح، والتخلص من المشاعر السلبية تجاه الآخرين بسبب مواقف متشنجة أو حوار انفعالي طائش أو سوء فهم، يدعمه صفاء القلب وإدراك أهمية الحفاظ عليه خليا من مشاعر الحقد والكراهية والتحرك خلفها في التعامل مع الغير وتقييم شخصياتهم، مما يجنح به نحو تحكم الأهواء الذي يبقيه في دائرة الانشغال بالتوافه ويدخله في دائرة المشاجرات والزعل والقطيعة، مما يشغل وقته بمتابعة الآخرين والدخول معهم في صراعات تقض مضجعه وتبعده كثيرا عن متابعة تحقيق أهدافه.

النفوس المتسامحة تعيش حالة من التصالح مع نفسها فتحافظ على القدر الكبير من الانضباط والتوازن والثقة والأمل، وفي المقابل تملك قدرا كبيرا من تحمل الصعوبات والمواقف المتشنجة والانفعالات اليومية بأسبابها المختلفة، فيتجاوزها دون الدخول في مهاترات أو مشاحنات تخلق له عداوات وكراهيات لا حصر لها، كما أن المشاعر السلبية تصيبه بسواد القلب والهموم وتخلق منه شيئا فشيئا روح الانتقام والتشفي، فيخسر أهم شيء وهو النفس الطيبة المعطاءة والمتسامحة.