آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 6:17 م

ثقافة كورونا

محمد أحمد التاروتي *

أحدثت جائحة كورونا تحولا ثقافيا كبيرا، لدى مختلف المجتمعات البشرية، باعتبارها تحديا حقيقيا على مستقبل الإنسانية، جراء القدرة الفائقة للفيروس على تجاوز الحدود الجغرافية، وتوجيه ضربات قوية للغرور الإنساني، الامر الذي تمثل في إصابة اكثر من 133 مليون انسان على وجه الكرة الأرضية.

الجهود الكبيرة التي بذلت منذ أواخر 2019 لمواجهة الجائحة، ساهمت في استيعاب الصدمة الكبرى، التي صاحبت اكتشاف الحالات الأولى للفيروس في الصين، من خلال التحرك السريع لوضع الإجراءات الاحترازية المناسبة، للسيطرة على الانتشار الكبير، والحيلولة دون انتقال العدوى بشكل مخيف، بيد ان الفيروس يواصل الفتك بالارواح البريئة في مختلف المجتمعات البشرية، نتيجة ظهور فيروسات متحورة للالتفاف على العقول البشرية، التي تعمل على مواجهة الجائحة باللقاحات المختلفة.

التحولات الثقافية المرتبطة بجائحة كورونا، يمكن تلمسها في كافة المجتمعات البشرية، حيث استطاع الوباء فرض ايقاعاته، على طريقة التفكير الإنساني، سواء بالنسبة لطريقة العيش وكذلك طبيعة العلاقات الاجتماعية، فضلا عن البحث عن الاليات المناسبة لتجاوز خطر الإصابة بالمرض، فالثقافة السائدة قبل بروز كورونا على السطح، تختلف عنها بعد انتشار الوباء على كوكب الأرض، حيث يتجلى في مختلف مناحي الحياة، الامر الذي يعزز الاعتقاد بمرحلة مختلفة تماما، في التفكير الإنساني خلال الفترة القادمة.

ثقافة كورونا ليست مرتبطة بالاطار الشخصي اطلاقا، فهي تتجاوز الجانب الذاتي لتدخل في مختلف الشؤون الحياتية، فالعملية مرتبطة بطريقة التعاطي مع التحولات القسرية في المرحلة القادمة، وبالتالي فان نمط التفكير الشخصي سيتجاوز الاليات التقليدية السائدة في المرحلة السابقة، بهدف التأقلم مع طبيعة الثقافة الجديدة، التي فرضتها جائحة كورونا على الجميع، وبالتالي فان محاولات العودة للوراء لن تجدي نفعا، نظرا لدخول المجتمعات البشرية في مرحلة مختلفة تماما، عن التحولات الثقافية التي عاشتها البشرية خلال القرون السابقة.

من الصعب رسم ملامح ثقافة كورونا في الظروف الراهنة، نظرا للتحولات المتلاحقة المرتبطة بحقبة الجائحة، فالجميع يحاول وضع اطر واضحة للمرحلة القادمة، بيد ان المساعي سرعان ما تصطدم بواقع مختلف، فقطار الجائحة ما يزال يحطم كافة الحواجز المعنوية المرسومة امامه، مما يجعلها قادرة على قول كلمة الفصل في النهاية، الامر الذي يتطلب بعض التريث حتى اتضاح الصورة، والعمل على لملمة الجراح، والعمل على إيجاد العلاجات المناسبة، للتعرف على الخطوط العريضة، لمرحلة ما بعد كورونا.

النخب الثقافية الفاعلة على المستوى العالمي، عملت خلال الأشهر الماضية على رسم بعض الملامح الثقافية لمرحلة كورونا، ولكنها غير قادرة على استشراف الطبيعية الثقافية لمرحلة ما بعدها، فالجانب الثقافي للازمة يختلف تماما عن طبيعة التفكير الثقافي لما بعدها، خصوصا وان الأجيال التي عاصرت الجائحة منذ البداية، وواكبت التطورات لحظة بلحظة، ستحاول رصد الكثير من التحولات الثقافية، على الصعيد الفردي، وكذلك الجانب الاجتماعي، بيد ان نمط التفكير لدى الأجيال المستقبلية سيكون مغايرا تماما، عن معالجات أجيال ”كورونا“، انطلاقا من الاختلاف الفكري بين الأجيال، وبالتالي فان الرؤية المستقبلية لثقافة كورونا ليست واحدة، ولكنها ستحاول البناء على الملامح المستوحاة، من سطوة الجائحة على التفكير الإنساني، منذ بداية بروزها على السطح.

القراءة المتأنية للملامح الثقافية لوباء كورونا، عنصر أساسي في وضع الأمور في الاطار السليم، لاسيما وان محاولات القفز على الواقع المعاش، ومحاولة السير بعكس التيار، لا تخلف سوى الضياع، والابتعاد عن الخطوط السليمة، في عملية البناء الثقافي، وبالتالي فان المرحلة الحالية تشكل ركيزة أساسية، للانطلاق بقوة نحو الهدف الإنساني السامي، نظرا لأهمية القراءة السليمة القائمة على التعامل الواضح، مع التحولات الملموسة في الثقافة البشرية، جراء التفاعلات غير المسبوقة للمجتمعات البشرية، مع التطورات المتلاحقة للجائحة، مما ينعكس بصورة مباشرة على طبيعة التفكير، واتخاذ المسارات الثقافية المنافسة، من خلال وضع الممارسات الحياتية المناسبة، للتأقلم مع الوقائع على الأرض.

كاتب صحفي