آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

نحو مجتمع قارئ.. بسطة حسن أنموذجا

مراد غريبي * صحيفة شؤون عمانية

العديد من المشاريع في أوطاننا العربية إما فشلت أو لا تزال تستنزف الميزانيات أو تعطلت بسبب سوء التسيير أو لم تبلغ الأهداف المسطرة لها وفي احسن التقديرات بلغت منتصف الأهداف، قد تكون مشاريع خاصة بالبنية التحتية الاقتصادية كالصناعة والسياحة والعمران أو مشاريع خاصة بالتنمية الإنسانية كالتعليم والرياضة والثقافتين الدينية أو المدنية والفن والصحة وغيرها من حقول التنمية الشاملة، هناك منطقة فراغ في أغلب المشاريع التنموية العرجاء على مستوى العالم العربي بغض النظر عن تلك المشاريع التي تعاني أساسا من فساد إداري أو تخطيط عشوائي لا يمت للعلم والواقع بصلة لعدم أهلية المتصدين له أو لضيق الأفق في التوفيق بين ماهو تقني بحت وما هو واقعي ثقافي، وهذا مبحث مهم جدا - سنحاول مستقبلا مناقشته في مقال خاص - أو لتقصير ثقافي عام بماهية البرمجة الاستراتيجية للمشاريع بما يتواءم ومعطيات الواقع والتطلع للتنمية الحقيقية على المدى المتوسط والمدى البعيد، وأحيانا المبالغة في ترشيد التكلفة على حساب نوعية وجمالية المنتج ومصداقيته العملية..

في ظل هكذا مشكلات، منطقة الفراغ التي لا يرتكز عليها أغلب المستشارين والخبراء والتكنوقراطيين ونقاد الواقع من المثقفين وغيرهم في بناء ملاحظاتهم وارشاداتهم وتقاريرهم حول المشاريع الفاشلة أو العاطلة أو الجامدة هي النتائج الصغيرة المنيرة أو ما يسمى بالثمار الهامشية، لأنه في الغالب المشاريع حتى تنطلق أو تعود إلى سكتها يوصي الخبراء بالضخ المالي أو العودة لنقطة الصفر أو تغيير الخارطة العملية أو تقليص الأهداف مما قد يشوه المشروع تماما، لكن تحديد الثمار الهامشية يساعد في لملمة أطراف المشروع وتجديد روح التخطيط وتعديل برنامج العمل بما يتناسب والأهداف المركزية..

الثمار الهامشية في هذه العجالة سنتناولها في مشروع بناء مجتمع قارئ، تحديدا نوادي القراءة ومعارض الكتب ودور النشر والصحافة الإلكترونية والمنتديات الأهلية والمكتبات المتنقلة وبسطات القراءة كبسطة حسن بالمملكة العربية السعودية التي خصصت لها هذا المقال لأنها تجربة رائدة في العالم العربي ككل، وتابعت تألقها من خلال العمل الثقافي الدؤوب الذي اعرفه تماما في شخص صديقي الاستاذ حسن آل حمادة، صاحب الرؤية الثقافية الثاقبة والدور الاجتماعي المتطور والمنفتح على الثقافة بشتى آفاقها، لقد تبلورت البسطة وأزهرت وحلقت في عالم رواد الفعل الثقافي المؤثر بفضل اتقان استثمار النتائج الهامشية وتحويلها لأدراج نحو القمة الحضارية المنشودة من فعل الترويج للقراءة والاهتمام ببناء الوعي الفكري وتطوير الأفكار الحية إلى مشاريع سوسيوثقافية..

بسطة حسن ليست طفرة ثقافية أو قفزة مجتمعية بل هي مسيرة حافلة مع فكرة“اقرأ”و فن المطالعة والعلاج بالقراءة، إنها مشروع مثقف ناشط وفعال فيما يمكن تسميته بمقاولات التنمية الثقافية في المجتمع عموما والقراءة على وجه الخصوص، هذا الحقل الذي يستقطب العديد من العملاء في مجالات شتى ترتبط بكل ماهو ثقافي واجتماعي واقتصادي وإنساني تحديدا، تنمية القراءة في مجتمعاتنا العربية شهدت نكسات متعددة بسبب غياب الجدية والتخطيط الاستراتيجي والاقتصاد المعرفي على مستوى البرامج التعليمية والإعلامية والمناشط الاجتماعية والنشاطات الثقافية بما يمكنه أن ينتقل بالوعي الجمعي للتركيز في تنمية القراءة لدى الإنسان العربي، حيث آخر الاحصائيات لا تكاد تذكر العالم العربي في سلم القراءة العالمي لدى المجتمعات، لكن رحلة الأستاذ آل حمادة كانت حافلة بالأفكار المميزة والعقبات المثيرة لنشوة التطلع أكثر فأكثر، إلى أن رست سفينة بسطة حسن من عالم المثال إلى واقع الفعل بشاطئ القطيف فبعثت روحا إجتماعية جديدة وابتسامة ثقافية مهمة للأجيال الصاعدة تزيد من رونق خوض غمار التحدي الحضاري لتجديد الوعي ورفد الفكر والروح والعاطفة بقداسة“اقرأ”في المجتمع العربي الحي…

بناء مجتمع قارئ على ضوء رسائل بسطة حسن يحتاج لعدة رافعات:

1. التحدي الثقافي الأول لدى أي مجتمع هو وعي جذور مشكلة الثقافة، والذي يرصد من خلال مكانة الكتاب وحيوية القراءة لدى أفراد ذلك المجتمع، وهذا ما تنبه إليه باكرا الأستاذ حسن آل حمادة والعديد من المثقفين في المجتمع القطيفي عبر اقتحام حقول المعرفة وأبعاد الثقافة، حيث التنوع الثقافي في البسطة آسر ومعبر عن استراتيجية ثقافية منفتحة على الإنسان والنتاج المعرفي والحياة ككل.

2. تطوير أساليب صناعة الوعي بأهمية القراءة على جميع الحقول وتقريب الكتاب بشتى صنوفه للقارئ عبر الإعلام المحلي وتشجيع الكتاب على النشر وأصحاب دور النشر على دعم الطاقات الفكرية والأدبية الصاعدة، والتنسيق لتكامل الأدوار في توفير المادة الفكرية والأدبية من معارض الكتب.

3. تطوير فكرة المكتبة البيتية بتجديد وتنمية حقولها المعرفية، لأن بذرة القراءة في القطيف راسخة رسوخ الثقافة الدينية والإبداع الأدبي والفني فيها، لكن جيل الأستاذ حسن آل حمادة استطاع النهوض بالخطاب الثقافي وابتكار مشاريع النوادي ومع مطلع الألفية الثالثة خوض غمار النشر الالكتروني ثم الإعلام الفضائي وما هنالك من انتقالات الخطاب الثقافي الديني لمستوى متقدم في الحث على الانفتاح الثقافي وإثراء التنوع وتنمية التواصل والتثاقف.

4. عندما نلحظ عدم إقبال المجتمع على الكتاب، لابد من تنويع حضور الكتاب مجتمعيا على منوال الفكرة الأساسية للاشهار التي تلامس الشغف، وتلاحق المستهلك أينما يتوجه، وهذا أحد أوجه العبقرية في بسطة حسن والذي يعكس الأصالة في التجارة العتيقة والبسيطة كما ينشد الانشراح والانبساط عبر الكتاب بالإضافة لعش الكتب الذي اعتبره خلفية اسناد للبسطة، كما انني لاحظت من خلال تعقيبات بعض الاخوة في وسائل التواصل الاجتماعي على ركن بسطة حسن بالصيدليات أنه لا يتناسب والمكان، اللافت ان الردود كانت على العكس تماما وكلها متفقة على ضرورة الاهتمام بموضوع العلاج بالقراءة، فعلا الوعي لا يجدد فقط بالنقد النظري والسجال الفلسفي وإنما بالفعل الحضاري والمواجهة الثقافية لصور التخلف والرجعية والسلوك المنافي للإنسانية، لأن فعل القراءة خصوصية إنسانية أسس الاسلام دعوته عليها، وانساننا المسلم لابد أن يكون قارئا مسؤولا في جميع تفاصيل حركته في الحياة.

5. اهم رافعة استوقفتني في تجربة بسطة حسن هي التركيز على النشء وتخصيص جناح مميز لهم والاهتمام بجديد اصدارات الأطفال، والأكيد هذا ليس غريبا لأن الأستاذ حسن آل حمادة علم أجيال وخبير بأساليب التنوير الفكري والثقافي التي تنطلق من أول مراحل الدراسة..

في البدء كانت فكرة …ثم أصبحت بسطة…وصارت سنة..لابد أن تخلد في كتاب!!

شكرا صديقي وأخي المبجل أ. أبو بتول سفير القراءة في العالم العربي، لأنك عبرت باقرأ من الوعظ إلى الحياة اليومية للإنسان العربي، على أمل الاستزادة من البسطات العربية للقراءة … لأن الأمة التي تقرأ لا تستضعف ولا تشيخ..

كاتب وباحث في الفكر