آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

الصفاء الذاتي

محمد أحمد التاروتي *

عملية الارتقاء بالذات نحو السمو، تتطلب الكثير من الجهد والمزيد من الصبر، لاسيما وان الصراع الداخلي المستمر بين النفس الامارة بالسوء ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ والنفس اللوامة ﴿وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ، يتطلب الحذر تفاديا للوقوع في المحذور، فالافخاخ المنصوبة على الدوام تهدف لايقاع بالانسان في مستنقع الخطيئة، من خلال تزيين بعض الممارسات ومحاولة التخفيف من تداعيات، مما يدفع الانسان للاستجابة لتلك المغريات، وتجاهل الاثار المترتبة على ارتكاب تلك الرذائل، وبالتالي فان معركة السمو ليست مرهونة بحقبة زمنية، ولكنها قائمة على الدوام.

صفاء السريرة عملية اساسية لاضفاء الاستقرار الداخلي في البيئة الاجتماعية، فالقلوب النظيفة قادرة على استيعاب الجميع، نظرا لقدرتها على تجاهل الاخطاء، والعمل على ازالة كافة اسباب التوتر الاجتماعي، لاسيما وان صب الزيت على نار الخلافات، يضاعف المعاناة النفسية على الصعيد الشخصي أولا، والصعيد الاجتماعي ثانيا، خصوصا وان الانطلاق من الذات في الاتجاه الاصلاحي، عنصر اساسي لاشاعة ثقافة التسامح في البيئة الاجتماعية، نظرا لقدرة الصفح على استقطاب اصحاب القلوب ”المريضة“، ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وبالتالي فان السيطرة على الانفعالات والاستفزازات الخارجية، يولد حالة من الاستقرار الاجتماعي، والمساهمة في البناء الثقافي، باعتباره خطوة اساسية لاحداث التعاضد والوئام، لدى العديد من الفئات الاجتماعية.

الحرص على ازالة الضغائن من الذات، والتحرك الدائم لتقريب القلوب، عوامل اساسية في احداث التفاعلات المختلفة في المحيط الاجتماعي، فالممارسات الخاطئة تجد ردود افعال مختلفة، انطلاقا من الطبائع المتوحشة لدى بعض البشر باتجاه ”العنف“، بيد ان النفوس الكبيرة تتحاشى الدخول في متاهات يصعب الخروج منها، مما يدفعها لانتهاج سياسة ”الصفاء“ تجاه الاخر، باعتبارها احدى الطرق لاعادة الامور للنصاب السليم من جانب، وخطوة اساسية لازالة الغل من النفوس من جانب اخر، الامر الذي يفسر استحواذ بعض الشخصيات، على قلوب الكثير من الشرائح الاجتماعية، فيما تواجه بعض الشخصيات بالكراهية الشديدة، نتيجة التلوث الكبير في قلوبها، مما يجعل عملية الاقتراب منها خطرة للغاية وغير مضمونة النتائج.

التحرك باتجاه الصفاء الذاتي عملية مطلوبة على الدوام، باعتبارها الخطوة الاولى للوصول الى الهدف، انطلاقا من مبدأ ”الالف ميل يبدأ بخطوة“، بالاضافة لذلك فان وجود الارادة الصادقة عنصر حيوي، في امتلاك ناصية الصفاء ”الذاتي“، بيد ان الرغبة نحو الارتقاء بالنفس نحو السمو، ليست قادرة على الوصول الى الهدف المرسوم، فهناك العديد من الخطوات الأساسية، والاصرار على تطبيقها في الممارسات الخارجية، فضلا عن السيطرة على الذات في المواقف الصعبة ”ليس الشَّديد بالصُّرَعة، إنَّما الشَّديد الذي يملك نفسه عند الغَضَب“ و”من أطلق غضبه تعجل حتفه“ و”الغضب يفسد الألباب، ويبعد من الصواب“، وبالتالي فان عملية الصفاء الذاتي بحاجة الى ”قمع“ النفس الامار بالسوء، وعدم الاستجابة لها، فالتراخي في التعامل مع الذات احدى نقاط الضعف، التي تقود للانخراط في المسار الخاطئ، ”و الله ما عرض لعلي أمران قط كلاهما لله طاعة إلا عمل بأشدهما وأشقهما عليه“.

اثر الصفاء الذاتي على البيئة الاجتماعية ليس خافيا على الجميع، فالنفوس النظيفة تلعب دورا أساسيا، في اخماد النيران التي تعمل بعض النفوس الشريرة على اشعالها، نظرا لادراك اصحاب النفوس ”الراقية“ لخطورة اللعب بالنار والسماح بتمددها في النفوس الاجتماعي، مما يقود لتدمير الوئام الاجتماعي والدخول في صراعات عديدة، بعضها واضحة للعيان جراء اشتداد الحروب الكلامية بين بعض الفئات الاجتماعية، والبعض الاخر تدور رحاها تحت الرماد، نظرا لعدم وصولها لمرحلة الاعلان والكشف عنها، وبالتالي فان الصفاء الذاتي قادر على لعب دور الاستقرار الاجتماعي، والحيلولة دون الدخول في لعبة الدمار الشامل، لاسيما وان السكوت عن الممارسات التخريبية، المدعومة من اصحاب النفوس المريضة، لا يخدم الجميع، فالضرر لا يترك احدا على الاطلاق، ”الشر يعم والخير يخص“.

كاتب صحفي