آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

أفضل أعمال الشهر الكريم

ورد عن رسول الله ﷺ قوله لأمير المؤمنين : يا أبا الحسن، أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عز وجل» «بحار الأنوار ج 42 ص 190».

هذا المفهوم له مقام رفيع في صياغة شخصية الإنسان بحيث جعله الرسول الأكرم ﷺ أفضل الأعمال التي تقرب إلى الله تعالى في شهر الصيام، وهذا يدل على أن الورع عن محارم الله تعالى يتطابق مع الغاية الأسمى من فرض الصيام وهي تحصيل ملكة اليقظة الروحية والحصانة أمام المغريات، والمهم في البداية معرفة أثر السقوط في وحل الشهوات والأهواء المتفلتة لتجنبها، والتي تسقط المرء في أتون المعاصي إذ يكون حينئذ سهل الانقياد لمغريات الشيطان وتزيينه فلا يبالي بالنتائج الوخيمة لارتكاب المعاصي، فالشقاء - كل الشقاء - الانحراف عن جادة الاستقامة ونزاهة النفس من التلوث بالمعاصي، فالذنوب لها أثر الظلمة في النفس وانطفاء شمعة الحكمة والوعي من العقل، فما يقود الإنسان في ميادين الحياة إما عقله نحو ساحل النجاة أو هواه يرديه في حفر السقطات والزلل، ولا يقي من ارتكاب الذنوب وتجنب فعل ما حرمه الله تعالى كتصور التبعات والأضرار التي لا تقدر جراء الاستمرار في مقارفة الخطايا، فإن أفعال الإنسان لا تختفي بصورة نهائية مع الانتهاء منها، بل تتحول إلى جزء مما هو مدون في صحيفة أعماله ليحاسب ويجازى عليها يوم القيامة، وتلك الذنوب ستكون الجانب المظلم من سجله وسيجازى عليها بالعذاب الأخروي، والذي تحدثت عن الكثير من تفاصيله الآيات القرآنية الكريمة، وهذا ما يجعل الإنسان على بصيرة من أمره وعلى محك المسئولية لكل ما يصدر منه، فيبقي في ذهنه تلك الصورة السوداء لارتكاب الذنوب.

ومن آثار مقارفة المحارم غياب العقل المفكر عند الإنسان والذي يمثل هويته ووجوده وكرامته وتميزه عن الحياة البهيمية، فانظر لحالة الإنسان المبتلى بالجنون فلا يعي ما يفعل ويرفع عنه القلم في تصرفاته وأقواله، وكذلك حال من شرب الخمر - والعياذ بالله - فغاب عقله ووعيه فلا يعلم شيئا عما فعل حتى يفيق، وكذلك هو أثر الذنوب إحداث حالة السكر وغياب العقل عما يفعله من ذنوب تسقطه يوما بعد يوم في وحل الانحطاط الأخلاقي، وكفى بذلك تيها وضياعا في دروب الحياة والتهادي بين جنباتها حتى يرحل من هذه الدنيا وقد ضيع دنياه وآخرته، فإن تلك اللذات المتحصلة من النزوات تنقضي سريعا وتورث صاحبها هم الحساب الذي يثقل يوما بعد يوم حتى يخرج بعيدا عن رحمة الله تعالى وموجبات مغفرته، ومن تلك الآثار لمقارفة المحارم هو تضييع مضامين وغايات ما افترضه الله تعالى على عباده ومنها فريضة الصوم في الشهر المعظم، وذلك أن الغاية من الصوم هو تربية النفس على المحاسبة والرقابة والنظر في العواقب لتحصيل الطهارة والنزاهة، وتلك الجوائز السنية والنفحات الربانية في الشهر الكريم هي لمن جد واجتهد وعمل صالحا، ثم لم يخرب عمله ويهلك حرثه ويحرقه بلهيب المعاصي، فإن يحرم نفسه تلك الفيوضات وينطبع على صحيفة عمله عنوان الشقي الذي يصر على ارتكاب الآثام ولا يحدث نفسه بالتوبة الصادقة.

الورع عن المحرمات يتطلب تجنب العوامل المساعدة والمسهلة لارتكاب الخطايا، ومنها وساوس الشيطان الرجيم والإقبال الطموع على زخارف الدنيا وطلب الوجاهات، فمن وجه نظره للحياة الأخروية حرص على عمل الحسنات وتجنب ما يستوجب سخط الله تعالى، ومادام الإنسان منهمكا في فعل السيئات فسيكون بعيدا عن رحمة الله تعالى والقرب منه، فالذنوب حواجز تضعف همته وتصرفه عن فعل الخير والمعروف، ومن اعتنى بنفسه وتهذيبها ورفعتها عن العيوب والذنوب فإنه يسلك طريق التكامل والسمو الروحي والمعرفي.