آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 2:22 م

تأملات رمضانية 6

محمد أحمد التاروتي *

التوجه الكامل بكل الجوارح نحو الخالق، عملية اساسية لارتقاء الروح نحو الاعلى، لاسيما وان هناك قواعد ومتطلبات اساسية تمثل مدخلا لتوطيد العلاقة مع الخالق، مما يفرض على الصائم اتخاذ منهجا لتكريس الخوف، والخشية من الله في جميع السكنات والحركات، خصوصا وان الصائم يتحرك في اداء الفريضة باتجاه السمو الروحي، والاستجابة للاوامر الالهية للالتزام بالصيام لساعات محددة.

معرفة الصائم ببعض المقاصد الظاهرية لفريضة الصيام، خطوة اساسية لزيادة التوجه شبه الكامل نحو الخالق، من خلال توظيف ايام الشهر الفضيل نحو مرضاة الله، لاسيما وان ارتكاب المعاصي يدخل المرء في دائرة الطرد من رحمة الله، بخلاف الحرص على طاعة اوامر الله، مما يستدعي التحرك وفق الضوابط الالهية لترويض الذات، وعدم الانقياد وراء الشهوات ”ايها الصائم ان طردت عن باب مليكك فأي باب تقصد وان حرمك ربك فمن ذا الذي يرزقك“ وبالتالي الطريق نحو الجنان يتطلب الاجتهاد الكامل، وعدم الاستسلام للنفس الامارة بالسوء.

يتضمن شهر رمضان المبارك الكثير من الاعمال العبادية، فهذه الاعمال المختلفة سواء الصلوات، او الادعية او غيرها من اعمال البر، عناصر اساسية في رفع مستوى التوجه الكامل نحو الخالق، نظرا لادراك الصائم باهمية توفير متطلبات الصوم السليم، والابتعاد عن الممارسات التي تخدش هذه الفريضة الالهية، الامر الذي يتمثل المبادرة الذاتية على تلك الاعمال، وعدم التراخي في تنفيذها على الاطلاق، انطلاقا من الرغبة الشديدة في الفوز بالرضوان، وعدم الانسياق وراء الاهواء الشيطانية، باعتبارها عراقيل معنوية تقطع الطريق نحو الارتقاء، نحو السمو في العلاقة مع الخالق، ”وان اهانك فمن ذا الذي يكرمك، وان اذلك فمن ذا الذي يعزك، وان خذلك فمن ذا الذي ينصر“.

متطلبات التوجه الكامل بجميع الجوارح نحو الخالق، تبدأ من الذات بالدرجة الاولى، من خلال العمل على ترويضها، عبر العديد من الاعمال العبادية، فالنفس البشرية تميل الى الراحة والابتعاد عن المشقة بمختلف اشكالها، فيما التوجه الى الخالق يستدعي ترك ”الراحة“، والحرص على توظيف الاوقات في طريق الله، من خلال انتهاج الوسائل الكفيلة للسيطرة على الذات عبر قهرها، ومخالفتها على الدوام، الامر الذي يفضي في نهاية المطاف للسير في طريق الجنة، والابتعاد عن جادة النيران، ”ان لم يقبلك في زمرة عبيده فالي من ترجع بعبوديتك، وان لم يقلك عثرتك عمن ترجو لغفران ذنوبك“.

شهر رمضان المبارك بما يحمل من مضامين، وقدرة معنوية على تطويع الذات، يمثل فرصة كبرى للصائم لزيادة الجرعة العبادية، والتقرب الى الله، الامر الذي يدفع الصائم نحو توظيف الجوارح نحو رضوان الله، خصوصا وان الصائم يكون في عبادة طيلة فترة الصيام، مما يعطي دفعات كبرى نحو العمل الصالح، بحيث يصب في نهاية المطاف نحو الفوز بالرضوان، ”وان طالبك بحقه فماذا يكون حجتك“، فالخوف من الخالق يمثل احدى القنوات الأساسية، للانعتاق من الذات، والتحرر باتجاه الله، مما يدفعه للتوجه الصادق باتجاه تكريس الجوارح في العبودية، خصوصا وان عملية التذلل والخضوع عنصر أساسي، لتفادي الطرد من رحمة الله تعالى، وبالتالي فان الصائم حريص على ان يكون ضمن زمرة عباد الله الصالحين، عبر الاخلاص التام في العبادة.

”ايها الصائم ان طردت عن باب مليكك فأي باب تقصد وان حرمك ربك فمن ذا الذي يرزقك وان اهانك فمن ذا اللي يكرمك وان اذلك فمن ذا الذي يعزك وان خذلك فمن ذا الذي ينصر وان لم يقبلك في زمرة عبيده فالي من ترجع بعبوديتك وان لم يقلك عثرتك عمن ترجو لغفران ذنوبك وان طالبك بحقه فماذا يكون حجتك“.

كاتب صحفي