آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 1:13 م

تأملات رمضانية 10

محمد أحمد التاروتي *

متطلبات الجلوس على مائدة الرحمة الربانية، في شهر رمضان المبارك، تفرض مراقبة الذات في كافة السكنات والاعمال، لتفادي تجاوز اداب الضيافة الرمضانية، فالصائم مطالب بالتحرك وفق ضوابط واشتراطات محددة، من اجل تحقيق الغاية المرسومة لشهر الصيام، خصوصا وان الضيافة الربانية المستمرة لمدة شهر كامل، لا تقتصر على ترويض البطن عن الاكل والشرب، وانما تتجاوز تلك المفاهيم الظاهرية، لتغوص في تذليل الذات، والخضوع الكامل للاوامر الإلهية، باعتبارها المفتاح الحقيقي للفوز في الدنيا والاخرة.

المائدة الرمضانية العامرة بمختلف أصناف الثواب والحسنات، بحاجة الى التحرك الصادق والمثابرة الجادة على الدوام، خصوصا وان الاقتصار على بعض الممارسات الظاهرية ينم عن خسارة كبرى، في اغتنام هذه الفرصة الإلهية الكبرى، فالكثير يتمنى ادراك هذه النسمات الربانية، ومحاولة قطف الثمار الكثيرة، الموزعة في بستان الشهر الكريم، بيد ان الموت حال دون تحقيق تلك الرغبات لدى الكثير من المسلمين، وبالتالي فان الاستغلال المثالي لفرصة شهر الصيام عملية أساسية، لاسيما وان المرء لا يعلم هل يعيش للسنة القادمة، او ينتقل الى جوار ربه.

الصائم الذي يدرك اداب الضيافة الربانية، يحاول الالتزام بتلك الضوابط، التي تكشف عمق الفهم لفريضة الصيام، فالبعض يمتلك القدرة الكاملة لتوظيف الدراية العلمية، للخروج بحصيلة وافرة من الفوائد المعنوية بشكل يومي، بحيث تبدأ عملية التقرب من الخالق بشكل تدريجي، لتصل الى مستوى عالية مع نهاية الشهر الكريم، مما يساعد في مواجهة الامتحانات الدنيوية المتعددة، والعمل على مقاومة كافة اشكال الضغوطات النفسية والمادية، والساعية لجر المسلم نحو الرذيلة، والسقوط في مستنقع الاعمال السيئة، ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ“، وبالتالي فان التحرك باتجاه التقوى يمثل الهدف الاسمى للصائم بشكل عام، بمعنى اخر، فان القدرة على اصطياد المفاهيم العميقة، لفريضة الصيام يمثل الخطوة الأولى، باتجاه صياغة الذات أولا، ومدى القدرة على توظيف الضيافة الربانية بالشكل المناسب ثانيا.

الضيافة الربانية في شهر التوبة والغفران، تكشف مستوى الرحمة الإلهية لعباده، فالبركات الكثيرة لشهر الصيام، ليست مقصورة على جانب من الجوانب، ولكنها تشمل الكثير من الأمور، مما يدفع الصائم باتجاه إعادة ترتيب أوضاعه في العلاقة مع الخالق، حيث يعتبر الصيام نقطة تحول رئيسي لدى البعض، فتارة يكون الشهر الفضيل عامل محرك للعودة الى الخالق، والالتزام بالعبادات على اختلافها، وتارة أخرى يمثل الصيام نقطة تحول حاسمة لليقظة من الغفلة، مما يسهم في إيجاد التحولات الأساسية، للاقبال على الضيافة الربانية، بكل رغبة واردة صادقة، الامر الذي يفتح الطريق امام التعرف على اداب الضيافة الإلهية في الشهر الكريم، بحيث تقود الى التأدب بالاداب المطلوبة، ”أيها الصائم تدبر أمرك فإنك في شهرك هذا ضيف ربك انظر كيف تكون في ليلك ونهارك“.

اداب الضيافة الربانية تفرض مراقبة الذات على الدوام، للحيلولة دون خروجها من دائرة الجائز الى فخ المحرم، فالاهواء الشيطانية تدفع المرء نحو المنزلقات، والطرق الوعرة، مما يجعله عرضة للخطر، والخسارة على الدوام، فيما المائدة الربانية تمثل عودة دائمة الى طريق الرشاد، والفوز بالرضوان، ”انظر كيف تكون في ليلك ونهارك وكيف تحفظ جوارحك عن معاصي ربك“، بالإضافة لذلك فان الرقابة الذاتية عامل أساسي في وضع الأمور في النصاب السليم، ”ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل خيرا استزاد الله منه وحمد الله عليه، وإن عمل شيئا شرا استغفر الله وتاب إليه“، وبالتالي فان الجلوس على مائدة الضيافة الرمضانية العامرة، بمختلف أنواع البركات والحسنات، يستدعي التعرف على الاليات المناسبة لاقتطاف تلك الثمار والخيرات، بما يعود على الانسان بالصلاح في الدنيا والاخرة.

”أيها الصائم تدبر أمرك فإنك في شهرك هذا ضيف ربك انظر كيف تكون في ليلك ونهارك وكيف تحفظ جوارحك عن معاصي ربك، انظر أن لا تكون بالليل نائما وبالنهار غافلا فينقضي شهرك وقد بقي عليك وزرك فتكون عند استيفاء الصائمين أجورهم من الخاسرين وعند فوزهم بكرامة مليكهم من المحرومين وعند سعادتهم بمجاورة ربهم من المطرودين“.

كاتب صحفي