آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 7:46 م

الاختلاف لا يفسد الود

عبد الرزاق الكوي

الإختلاف سنه كونية من سنن الحياة المعيشية والواقع الإنساني في نطاقه المحدود مثلا في الأسرة والمجتمع الواحد مرورا بالمذاهب والطوائف وصولا للأديان، الاختلاف في كل ماسبق اذا كان بطريقة عقلانية بعيدا عن الإختلاف المذموم الذي يفرق الصف ويزرع العداوة والبغضاء وينشر الفتن ويبدد الطاقات فهو ظاهرة صحية ونافعة.

فالدين المعاملة فالعبادة رغم أهميتها وعظم فعلها وإثم تاركها، كانت الجزء الأصغر في ما جاء به القرآن الكريم، القسم الأكبر كان في المعاملات، فإذا لم تكن نتيجة العبادة انعكاس على التعاملات الحياتية ففي العبادة خلل، فالعبادات جاءت لتبني شخصية الإنسان وتكامله بعلاقته مع نفسه والآخرين، فما فائدة تلاوة القران الكريم وبعده غيبة، وصلاة بعدها فساد، وصوم وبعده سوء خلق، وقس على ذلك بقية العبادات وأثرها، العبادة سلوك من اجل الارتقاء بالنفس الى آفاق مكارم الأخلاق وبناء علاقات سامية مع الغير بمحبة واحترام وتقدير.

من المؤسف عند المقارنة الواقع في المجتمعات الإسلامية مع واقع المجتمعات الاخرى، يشاهد رقي تلك المجتمعات في علاقاتها اقلا في علاقاتهم بعض، ويمكن يوجد بعض الشواد منهم من يتصف بالعنصرية تجاه الآخرون من ديانات اخرى، لكن كعلاقة مع بعضهم تتحلى تلك المجتمعات بالرقي في التعاملات الحياتية، والأحرى ان تكون هذه الصفة من اساسيات الفرد المسلم.

قال رسول الله صلى الله عليه واله:

«مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ. مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى».

فالمسلم يذهب للمسجد يؤدي الصلاة ويتلو القران الكريم وبعض الأدعية والأذكار ويتلقى بعض الدروس، ولكن بعد الخروج من المسجد لا أثر لذلك على الواقع والتعامل مع الآخرين حين الاختلاف معهم في اي شأن من شؤون الحياة، في اختلافات صغيرة لا وجود للوازع الديني حاجز عن فعل القبيح من القول والفعل، بما حث عليه الدين وما يجب ان يكون التعامل، اختلافات بسيطة سواء أسرية او مذهبية او طائفية او دينية او سياسية، تأخد منحى صراعيا يصل الى الفرقة ويصل في احيان الى الحروب والقتل والتفجيرات الإرهابية.

فالاختلاف مع تقدم الحياة وتقارب الأمم وتقدم وسائل الاتصال والتكنولوجيا في ازدياد وتشعب، خصوصا مع وجود عقول مريضة تسعى دائما الى ان يكون الاختلاف نتيجته صراع حتى لو وصل الصراع الى سفك الدماء تذهب بسببه الأرواح البريئة، مر على المجتمع فترة من الفترات اختلافات بين مقلد لمرجع مع المراجع الاخرى في غياب العقل وتسليمه الى أيدي شيطانية لا تريد الخير وتسعى للفتن تفرح لمثل هذه الصراعات، والحمد لله رب العالمين انتهت وبتفعيل العقل بفضل من الله تعالى وجهود العقلاء من هذا المجتمع، وامنيات ان لا تعود.

فالأديان السماوية بشكل عام والدين الاسلامي بشكل خاص مشروع متكامل لحياة فاضلة في جميع جوانبه الشخصية والعامة، وجد فيها الاختلاف للتطور فكريا ورافد من روافد التقدم، عكس ذلك فتش عن الأيدي الخبيثة والمخططات المشبوهة.

قيمة الإنسان بما كرمه الله تعالى بالعقل، وتفعيل هذا العقل في جميع التعاملات الحياتية، البيت والسوق والشارع والعمل ومع الطوائف والمذاهب والأديان الاخرى، فالأديان حضت على الرحمة والتسامح والتواضع في العلاقة مع الاخر، فالحوارات اليومية وصولا الى الثقافية او الدينية حتى السياسية، تكون نتائجها مزيد من التقدم المعرفي والرقي الحضاري، يتصف بهذه الخلق المجتمع العاقل ويصبح مصدر فخر وهو الاتباع الحقيقي لقيم السماء، فالآخر ليس له علاقة بعباداتك، فالعبادة بين العبد وخالقه، ان من سيوقف على الصراط ويطول وقوفه هو حسابه كيف كان تعامله مع الاخرين، ان كسب مواقف طائفية او عنصرية او مذهبية في هذه الدنيا هي خسارة عظمى في يوم الحساب، ان اكرمكم عند الله اتقاكم ليس أشدكم طائفية او مذهبية، بل حب لأخيك ماتحبه لنفسك، فكرا يناقش فكر يصل به الى بر الامان، يعم خيره ونتائجه المجتمع والأمة.

ان الاختلافات في الساحة العالمية ليس أكثرها بإسباب دينية، بل سياسات تلعب على تأجيج الاختلافات الصغيرة من مذهبية وطائفية لتصبح صراعات تدمر فيه الأوطان وتقتل فيها الأنفس البريئة، اصبحت الشعوب رهينة هذه التوجهات، في صراعات جانبية وحلقات مفرغة كل شعب حسب الظروف المناسبة لأشغاله بصراع مع الاخر.

الانسان صاحب أمانة على عاتقه القيام بها، عجز عن حملها جميع الخلائق، ان يكون مصدر للتعمير والعلاقة الطيبة مع الاخر وليس للهدم، او ان يكون من حيث يعلم او لا يعلم اداة او معول هدم في مجتمعه، يجب على كل فرد ان يكون سدا منيعا ضد الفرقة والاختلافات الغير محمودة العواقب، فالأصل كُنتُم خير امة أخرجت للناس.

ان ما يحتاجه كل فرد وقفة حساب، ومعرفة تامة ان اكرمكم هو اتقاكم، والدين المعاملة، والمحبة هي الهدف.