آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:44 م

هل الضربة التي لا تقتلك تقويك؟ كيف، ومتى، ولماذا؟ «6»

”إنها ندبات صدمات الحياة، لا زلت صامدًا في وجهها.“

هذا الإقتباس من بحث أجرته كلير شيبرد Claire Shephered وزميلاها بعنوان اكتشاف ظواهر «فينومينولوجيا» تجربة شابات تعرضن لصدمات نفسية أثناء فترة المراهقة[1] ، إلًّا أنهن مررن بمنعطفات ونقاط تحول إيجابية بعد هدا التعرض. هذا الصدمات والمحن عادة ما تخلف ورائها آثارًا وندبات تذكّر بما حصل، ولكن برغم ذلك، لا تثير كثيرًا من المشاعر السلبية او إحساسًا بالألم بعد ان أمكن من التغلب عليها أو ادارته في الحد الأدنى.

جزء عنوان الدراسة[1] الثاني يدل على ما يتمخض عن تلك الصدمات النفسية من قوى ومشاعر نفسية جديدة وسلوكيات إيجابية تعبر عن الصمود والمكابدة والتحدي للصدمة بعد الاعتراف بما حدث بدون لبس أو تهرب او نكران. وهذا يعتبر من أجلى المؤشرات على ”النمو بعد الصدمة“، وتلك هي إرادة العيش التي عبر انها ابو القاسم الشابي في هذه الأبيات:

سأعيش رغم الداء والأعداء. كالنسر فوق القمة الشماء

أرنو الى الشمس المضيئة هازئا بالسحب والأمطار والأنواء

سأعيش، سأعيش رغم الداء والأعداء!!

طبعا، هنا نحن قفزنا بهذه المقدمة الى النتائج قبل التعرض الى عوامل النمو التالي للصدمة وذلك من أجل التشويق والتطلع إلى ما هو آت من مقالات.

بحث كلير شيبرد وبحوث أخرى ستعيننا على معرفة عوامل النمو التالي للصدمة.

سنبني على التعريفات لمفهوم النمو التالي للصدمة التي ذكرناها في المقالات السابقة ونذكر جملة من عوامل النمو التالي للصدمة بما فيها عامل المرونة النفسية resilience. تجدر الاشارة إلى أن البعض يستخدم مفهوم المرونة النفسية كمرادف لمفهوم النمو التالي للصدمة ولهذا سنذكر الفرق بينهما. ولكن، دعونا الآن ننتقل إلى الحديث عن عوامل النمو التالي للصدمة؟

عوامل النمو التالي للصدمة

قبل الحديث عن هذه العوامل، لا بد أن نذكر بأن هناك العديد من الآليات النفسية والإجتماعية التي إمّا أن تعزز او أن تحد من التغيير الإيجابي في شخصية من يتعرض إلي صدمة نفسية. وعلى الرغم من اختلاف النظريات في تفاصيل هذه الآليات الا انها تشترك في الإعتقاد بأن هناك عوامل إضافية لتجربة الصدمة والتي تلعب دورًا مهمًا في عملية التغلب على أثار الصدمة السلبية. ويذكر الباحثون بأن من ضمن هذه العوامل هي النظر للعالم المحيط وكأنه محيط آمن يمكن التنبؤ بمجريات أحداثه، اي لا توجد مفاجئات خارج المألوف او المقبول. فالشخص يخطط ويترجم الأحداث من حوله ويتعامل مع محيطه الإجتماعي بهذا النظرة العامة والبريئة، التي تفترض أن العالم عادل. وهذا ما تسمى بفرضية عدالة العالم "just world hypothesis. إلّا أن الصدمات النفسية لا تنسجم مع هذه النظرة البريئة، ولذا لا تستقر حتى تصيب فقاعة في هذه الفرضية وتنسفها وتسبب حالة من عدم التوازن النفسي. وإن حالف الحظ المصاب فقد تتاح له فرصة إعادة حساباته وتوازنه والمضي قدمًا.

التكيف الإيجابي يتطلب سمات إدراكية جديدة تأخذ بعين الإعتبار تجربة الصدمة وإدخالها في وعي وخارطة الإدراك الجديدة، وهذا يولد قناعات واعتقادات جديدة ويضيف بعدًا جديدًا لهوية المرء ونظرته الى نفسه. وعندما يضيف الإنسان مفهوم الصدمة الى قاموسه الإدراكي والى نظرته الكونية، فمن شأن هذا التكيف أن يمهد الطريق للنمو التالي للصدمة. بمعنى آخر، تعتبر تغير نظرة المرء الى العالم هي المفتاح الرئيسي للوصول الى ساحل النمو النفسي الآمن والتغيرات الإيجابية التي تقوي شخصيته «انظر [2]  و[3] ».

ليس بمقدور كل شخص مصاب بصدمة نفسية أن يتعاطى ويتكيف بمرونة وصلابة مع المتغير الجديد، ولذلك يصبح مرشحًا للإصابة بالكآبة والقلق النفسي ومشاعر اليأس. وهذه هي السمات الرئيسية لأعراض الضغط النفسي التالي للصدمة.

ومن هنا نطرح السؤال التالي: لماذ البعض ينهزم أمام التحديات؟ ولماذا البعض الآخر يصمد؟

سنتناول في المقال القادم الإجابة عن هذا السؤال ونسلط الضوء على عوامل أخرى للنمو.

مراجعة : عدنان أحمد الحاجي

[1]  . Shephered، C.، Reynolds، F.A & Moran، J. «2010».“They are battle scars، I wear them well”: A phenomenological exploration of young women’s experiences of building resilience following adversity in adolescence. Journal of Youth Studies، 13، «3»، 273-290.

[2] 
-Janoff، -Bulman، R. «1992». Shattered assumptions: Towards a new psychology of trauma New York، NY: Free Press.

[3] . Park، C.L. «2010». Making sense of the meaning literature: An integrative review of meaning making and its effects on adjustment to stressful life events. Psychological Bulletin، 136,257-301.
برفسور بجامعة شمال أيوا - الولايات المتحدة الأمريكية