آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 12:12 م

تأملات رمضانية 25

محمد أحمد التاروتي *

بركة شهر رمضان المبارك ليست خافية على الجميع، فانتشار الموائد الرمضانية العامرة، مصداقا ملموسا في شتى انحاء العالم، دليل على تلك البركة الوافرة، حيث تفرش الموائد بمخالف أصناف الأطعمة، لاستقبال الصائمين طيلة الشهر الكريم، فيما يلاحظ الصائم بركة الصوم على المائدة اليومية في المنازل، فالصائم يرزق بحيث يحتسب، اذ ينذر ان يبات الصائم جائعا، او لا يجد طعاما يأكله، طيلة شهر رمضان المبارك، فالبركات المادية تبدأ تهل على الجميع، منذ اللحظات الأولى لاعلان الشهر الفضيل، ”هو شهر يزيد الله فيه الأرزاق والآجال“.

بينما على الجانب المعنوي، فان الصائم يكون في عبادة طيلة فترة الصيام، التي تختلف باختلاف ساعات الصوم في مختلف البلدان العالمية، ”أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاءكم فيه مستجاب“، فالبركات الاخروية لشهر الصيام يصعب حصرها، نظرا للرحمة الإلهية الواضحة في شهر رمضان المبارك، ”أيها الناس ان شموس شهر رمضان لتطلع على الصائمين والصائمات وان أقماره ليطلع عليهم بالرحمة وما من يوم وليلة من الشهر إلا والبر من الله تعالى يتناثر من السماء على هذه الأمة“.

ادراك الصائم بأهمية استغلال شهر البركة، يدفع باتجاه رفع الصيد المادي والمعنوي في الوقت نفسه، حيث يتجلى في إعادة أواصر القربي، وإعادة ترتيب العلاقات الاجتماعية، من خلال تصفير الخلافات الشخصية، وكذلك إعادة النظر في بعض القناعات الخاصة، خصوصا وان الصوم يساعد في صفاء الذات، والعمل على تحريك العقل بالاتجاه الاخر، نظرا لأهمية ترتيب الأولويات بما يخدم الفوز بالجنان، وغفران الذنوب، فالشهر الفضيل يحمل من البركات، ما يدفع باتجاه تعظيم الخيرات على الصائم، في الدنيا والاخرة، بمعنى اخر، فان بركة شهر رمضان المبارك على الصائم، يصعب اختصارها في بعض المكاسب الظاهرية والملموسة، فهناك الكثير من الجوانب الخافية، التي يصعب التعرف عليها في المرحلة الانية، بيد انها تظهر في مراحل متأخرة، ”أيها الناس انه قد أقبل اليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة“.

بركة الشهر الفضيل قادرة على صياغة الانسان بطريقة شاملة، فالصوم يلعب دورا في برمجة العديد من الممارسات الأخلاقية، من خلال احداث انقلابات حقيقية على الاطار الخارجي، فالصائم يحاول اجتناب إيذاء الاخرين، والعمل على تحسين الصورة الخارجية، مما يفتح الطريق امام إعادة الصياغة الأخلاقية لدى الصائم، الامر الذي يساعد في احداث تحولات في الممارسات الحياتية، لدى بعض القواعد الشعبية، لاسيما وان الحرص على أداء الصيام بالطريقة الصحيحة، يدفع باتجاه ضبط الاعصاب، وعدم الانجرار خلف العزة بالاثم، مما يحدث اثرا معنويا كبيرا على الانسان، بحيث يترجم على شكل سلوك أخلاقي، مغاير عن السلوكيات السابقة، وبالتالي ان بركة الصوم تأخذ ابعادا متعددة، وليست محصورة في بعض المفاهيم الضيقة، التي يحاول البعض تسويقها بطرق مختلفة، فالعملية تتجاوز تلك النظرة المحدودة، لتشمل الكثير من سواء على الصعيد الشخصي او الاجتماعي، ”لو يعلم العبد ما في رمضان، لودّ أن يكون رمضان السنة“.

الحرص على التزود من بركة الشهر الفضيل، ينم عن ادراك حقيقي للمعاني الحقيقية لفريضة الصيام، فالعملية تتجاوز بعض الممارسات المألوفة، التي اعتاد عليها الصائمون بشكل اعتيادي، مما يستدعي إيجاد القابليات لحصد المزيد من البركات العميقة، التي يختزلها الصوم على الصعيد الفردي أولا، والاجتماعي ثانيا، وبالتالي فان التحرك الصادق لاقتناص هذه البركات العظيمة، تعود على الصائم بالخيرات في الدنيا والاخرة.

”أيها الناس ان شموس شهر رمضان لتطلع على الصائمين والصائمات وان أقماره ليطلع عليهم بالرحمة وما من يوم وليلة من الشهر إلا والبر من الله تعالى يتناثر من السماء على هذه الأمة فمن ظفر من نثار الله بدرة كرم على الله يوم يلقاها وما كرم عبد على الله إلا جعل الجنة مثواه عباد الله إن شهركم ليس كالشهور أيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات هو شهر الشياطين فيه مغلولة محبوسة هو شهر يزيد الله فيه الأرزاق والآجال ويكتب فيه وفد بيته وهو شهر يقبل أهل الأيمان بالمغفرة والرضوان والروح والريحان ومرضاة الملك الديان“

كاتب صحفي