آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 12:10 م

فقد الشباب مؤلم وخسارة عظيمة

زكريا أبو سرير

يختلف إعداد الإنسان عن غيره من الكائنات الأخرى، بل يعد من أصعبها، حيث تختلف مراحل تكوين هذا الإنسان عن بقية المخلوقات بجميع أنواعها وأحجامها، حيث أخذ هذا المخلوق العجيب طابع التميز في الوجود، من حيث الاهتمام والرعاية به على كل صعيد، حيث كان له شكل التميز في الشكل والأكل والملبس وحرية التفكير والاختيار والتعلم والتطوير، وهذا غيره متوفر لدى بقية الكائنات الذي تعيش معه على نفس الكوكب، حيث يتفرد الإنسان في إدارة هذا الكون كذلك، دون قدرة بقية الكائنات على ذلك، بل الفطرة الذي فطر الله الناس عليها مع المخلوقات الأخرى، تجعل الكائنات الأخرى مطاعة ومستسلمة لإرادة هذا الإنسان، لأن الله أراد أن يجعله خليفته في الأرض.

لا يوجد أي كائن آخر شبيه لما يمر به الإنسان من مراحل عمرية وحياتية، حيث يبدأ هذا التميز الغريب والعجيب حتى من قبل أن تحمل به أمه تسعة شهور كاملة، وهي الفترة الذي يتكون فيها الجنين في رحم أمه، ليمر بعد ذلك إلى مرحلة الرضاعة وبعدها الطفولة، وبعدها مرحلة الشباب، وهي أصعب المراحل الذي يمر بها الإنسان، حيث إن هذه المرحلة يعتبرها الإخصائيون الاجتماعيون والنفسيون، المنطقة الفاصلة والحرجة لنجاة هذا الإنسان أو خسارته.

تُعد مرحلة الشباب من أهم المراحل التي يمر بها الفرد، ويقصد بكلمة الشباب التي جاءت بصيغة الجمع الشاب الذكر والشابة الأنثى، فهما يمثلان الطاقة الوجودية للمجتمع، ودونهما لا يمكن بل يستحيل استمرارية الحياة وفق حياة كريمة وذات روح إنسانية متميزة عن بقية الكائنات الأخرى، لأن الشباب هم دينمو الحياة، وهم من بيدهم التغيير والتطوير والتمكين.

تبدأ شخصية الإنسان بالتبلور وتنضج معالم هذه الشخصية من خلال ما يكتسبه من مهارات ومعارف، مع ما يأخذه من نضج في هيكله الجسماني بالنمو والتغير، وكذلك يبدأ عقله بالنمو في التفكير والتوسع في الأفهام، من خلال العلاقات الاجتماعية أو دمجه في المجتمع، حيث يتكون لديه فيما بعد حرية الاختيار في التفكير والقول والفعل والملبس وما شابه ذلك وفق قانون احترام حقوق الآخرين، أو تقف حريته عند حدود حرية الآخرين.

عند صقل الشخصية الشبابية واكتسابها المهارات والخبرات العلمية والعملية، وتأهيلها التأهيل المطلوب لضمان تكيفها مع المستجدات والتغيرات الاجتماعية، حيث يصبح الشباب بذلك هم عماد الأمة والمستقبل، لأنهم هم الوحيدون القادرون على تحمل أعباء صناعة التغيير والتطوير في المجتمعات، لهذا يمثل فقد الشباب لا سمح الله خسارة فادحة لا تعوض أبدا، فضلا عن أنه روح بشرية ترعرعت في أحضان أبوين سهرا عليه الليالي والأيام، وضحيا لشأنه كل غال، من صحة ونفس ومال، بل هم لا يبخلون عليه في تقديم أنفسهم له، لأجل أن يبقى ويعيش هو في أحسن وأطيب حال.

كل أبناء المجتمع القطيفي، قد تفاعل وتأثر مع الحادث المؤلم والمفجع الذي وقع في يوم فجر الخميس الماضي، في مدينة القطيف على شارع الرياض مقابل مجمع سيتي مول القطيف، وراح ضحيته شاب وأصيب أربعة شباب آخرون وهم في عمر الورد وجميعهم تحت لطف الله ورعايته ورحمته، ونسأله سبحانه أن يلطف بهم ويعافيهم ويشفيهم جميعا، فهم أكيد في منزلة الأبناء أو الأخوة لنا، فنحن كأبناء مجتمع وآباء وأمهات، نحمل شعور آبائهم وأمهاتهم وإخوانهم، ونتفهم ماذا يعني فقد شاب، أو عندما يكون شاب في العناية المركزة من شدة وقوة هذا الحادث المؤلم والمؤسف الذي آلمنا جميعا.

والسؤال المتكرر والدائم في أذهان أبناء المجتمع، إلى متى هذه الأخطاء الفادحة والمفجعة، أين ذهب وعي الشباب، وأين هو إدراكهم، وأين إحساسهم بالمسؤولية، أيها الشباب الاحباء لنا، لا تضعوا لهذه التساؤلات أو لأنفسكم أو لغيرها إجابات أو تبريرات أو أوهاما لم ينزل بها الله من سلطان، قد رصد ضدكم مخالفات مرورية وتجاوزات أخلاقية وهي كثيرة لا تعد ولا تحصى، وعند الحديث معكم وإرشاد البعض منكم تأخذه العزة بالإثم، برغم لين الخطاب وحسن الإرشاد معكم، اعلموا أحبتنا، أن الناصح لكم من أي طرف كان تأكدوا أنه محب لكم لا كاره ولا باغض لكم، يعتبركم منه وأنتم منه، فما ينفعكم يسعده وما يضركم يؤلمه أشد ألما وأشد حسرة، آلة الحديد التي هي بين أيديكم وغيرها، هي لا تدير نفسها ولا تتفهم إدارة نفسها، بل أنتم بيدكم من يحركها ويديرها، وأنتم المسؤولون الوحيدون أمام الله عن أنفسكم وأنتم المحاسبون عليها، فقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله محمد ﷺ قال: ”لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل به، وعن ماله أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه“.

ودعوة الإسلام لنا، للحفاظ على أنفسنا وصحة أجسامنا من أي تلف، لأنها أمانة بين أيدينا سوف نحاسب عليها يوم القيامة، ويسأل الإنسان عن ذلك، وهي تعتبر حقا من ضمن الحقوق الواجب المحافظة عليها ”إن لبدنك عليك حقا“

أحبتنا الشباب الكرام حفظكم الله من كل سوء، نجدد لكم الدعوة ونذكركم بها، ارحموا أمهاتكم وآباءكم وأنفسكم ومجتمعكم، فأنتم زهرة جميلة تنمو أمام أعينهم وتحت أعين أحبتكم، وأنتم عماد الأمة ومستقبلها، فلا ترموا بيدكم إلى التهلكة.