آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 1:31 ص

فطر سعيد

محمد أحمد التاروتي *

يعيش المسلمون في هذه الأيام فرحة عيد الفطر السعيد، كتعبير عملي لتوفيق الله على نعمة صيام شهر رمضان المبارك، فالاجواء الاحتفالية التي تعم المنازل والساحات العامة، تعكس السعادة الغامرة الواضحة على الصغير والكبير، لاسيما وان مناسبة العيد مناسبة لاعادة ترميم العلاقات الاجتماعية، والعمل على تجاوز بعض الإشكالات، والخلافات الاجتماعية، حيث يمثل العيد فرصة لخلق أجواء سعيدة، لاحداث حالة من التوازن في العلاقات الاجتماعية.

شحنة الطاقة الروحية المكتسبة من شهر رمضان المبارك، تحفز على انتهاج سياسة ”عفا الله عما سلف“، والتحرك باتجاه ”تصفير“ الخصومات الاجتماعية، من خلال إعادة احياء بعض العلاقات المقطوعة، او بث الروح في شبكة العلاقات الاجتماعية مجددا، نظرا لقدرة الطاقة الروحية المكتسبة خلال الشهر الفضيل، في الدفع باتجاه تصويب الأمور بالاتجاه الإيجابي، خصوصا وان التفكير في أسباب بعض الخلافات، يحدث اثرا مغايرا في تقييم الأمور بشكل جذري، مما يساعد في اتخاذ الخطوة الأولى باتجاه ”ترطيب“ الأجواء الاجتماعية، والعمل على إعادة رسم شبكة العلاقات بطريقة مختلفة تماما.

العديد من الخلافات تجد طريقها للحل مع مرور الزمن، سواء نتيجة اختفاء الأسباب الكامنة وراء بروزها، او بسبب الرغبة في فتح صفحة جديدة في سلم الأولويات، الامر الذي يساعد في وضع نهاية لتلك الخلافات، وبالتالي فان محاولة الاستفادة من فرصة الأعياد، ينم عن تحول واضح في طريقة التفكير، لاسيما وان المنظومة الأخلاقية تدفع باتجاه ترتيب البيت الداخلي، والعمل على انهاء أجواء التوتر، والتحرك باتجاه إعادة المياه لمجاريها، بمعنى اخر، فان تحويل أجواء الفرح الى مناسبة لرص الصفوف الداخلية، وتفويت الفرصة امام الجهات المغرضة، يكشف حالة من التفكير العقلاني وتوجيه البوصلة في الاتجاه الصائب، خصوصا وبعض الأطراف المغرضة تدفع باتجاه تعميق الخصومات، عبر صب الزيت على النار، عبر إشاعة بعض الأمور الساعية لاثار الضغائن، واشعال النار مجددا في القلوب.

الرغبة بفتح صفحة جديدة عملية أساسية، في مشوار ترميم العلاقات الاجتماعية، خصوصا وان القناعات الذاتية عامل حاسم في تجاوز كافة العراقيل من جانب، وتحمل ردات الفعل من الأطراف الأخرى من جانب اخر، لاسيما وان اتخاذ الخطوة الأولى باتجاه تجسير العلاقات الاجتماعية، وانهاء بعض الخلافات الداخلية، يتطلب الشجاعة والقدرة على امتصاص ردات الأفعال، وبالتالي فان الإصرار على إعادة احياء شبكة العلاقات الاجتماعية، ينم عن وجود تحولات واضحة في مجموعة الأولويات، على الاطار الشخصي، والاجتماعي في الوقت نفسه، الامر الذي يتمثل في الاستفادة من أجواء السعادة الغامرة، في وضع نهايات سعيدة على الاطار الاجتماعي، خصوصا وان هناك العديد من الخلافات تجد مساحات واسعة لانهائها، بمجرد اتخاذ الخطوة الأولى، نظرا لادراك مختلف الأطراف بأهمية إعادة اللحمة مجددا، وتناسي الخصومات، باعتبارها معول هدم على الصعيد الشخصي، وعنصر تدمير على الاطار الاجتماعي.

تحويل عيد الفطر السعيد الى مائدة عامرة بالمحبة والالفة، يمثل احدى المعاني السامية لهذه المناسبة الإسلامية، لاسيما وان اكتمال الفرحة يتجلى في العديد من المواقف على الاطار الديني، والإنساني، والأخلاقي، من خلال ترجمة الكثير من المواقف، باتجاه ادخال البهجة والسرور في النفوس، وبالتالي فان إزالة الاغلال والأحقاد من القلوب، يمثل احد اسمى معاني فرحة العيد، خصوصا وان إعادة المحبة وانهاء الخصومات، يساعد في إشاعة أجواء العيد في الساحة الاجتماعية، بما ينسجم مع المعاني الكثيرة التي يحملها العيد.

يبقى عيد الفطر السعيد مناسبة سنوية، تجدد الروح الإيجابية في النفوس، باتجاه إشاعة أجواء الفرح والسرور في المحيط القريب، بحيث لا يقتصر على ادخال السعادة في قلوب الأطفال فقط، وانما فرصة لاختراق حاجز الصمت، لدى بعض الأطراف المتخاصمة، من خلال إعادة رسم المرحلة القادمة، بما يتوافق مع المكتسبات الروحية، التي حصدها الصائمون طيلة الشهر الفضيل.

كاتب صحفي