آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 8:50 م

ثبوت الهلال شرعا.. بين العين المجردة والعين المسلحة

زكريا أبو سرير

شاهدت استطلاعا قامت به صحيفة جهينة الإخبارية تحت عنوان ”هلال العيد.. توافق أم اختلاف“ فأسرني جدا نتيجة هذا الاستطلاع، مما رأيته من آراء مختلفة، يتوجها توافق نفسي وفكري وديني، على مسألة ثبوت الهلال بين ما يراه بعض الفقهاء بثبوته بالعين المجردة، وما يراه بعض الفقهاء بثبوته بالعين المسلحة ”تلسكوب“ وبعض الفقهاء من يعتمدون بثبوته عن طريق الحسابات الفلكية العلمية والشهرية.

هذا القبول الاجتماعي بهذه الاختلافات الشرعية التي قد نرى لها اختلافا فقهيا في تحقيق يوم العيد في المجتمع، حيث إنه يسبب انقساما حتى بين أفراد العائلة الواحدة، ويقسمها بين مجموعتين، واحدة صائمة وأخرى فاطرة، وذلك حسب اختلاف المباني الفقهية لدى كل مرجع، وهذا الاختلاف وغيره عند المجتمعات المتعايشة مع بعضها البعض، يعتبرونه على أنه اختلافات طبيعية، حيث يعتبر كل شخص مسؤولا مسؤولية كاملة على اختيار قراره، وهذه حرية يكفلها له الدين والشرع، حيث له الحرية المطلقة في الاختيار في من يقلد أو من يرجع له في المسائل الشرعية التعبدية، دون السيطرة على قناعاته، باعتبار أن مناسبة العيد المبارك ليست مجرد فقط فرحة وبهجة ولبس الثياب الجديدة، بل هو كذلك يوم تعبدي وله مراسيمه الدينية الواجبة منها والمستحب.

وهذا القبول الاجتماعي بهذه الاختلافات الشرعية في الوسط الاجتماعي يشكل ثقافة ووعيا اجتماعيا ودينيا لدى أبناء المجتمع الواحد، مما يرفع من درجة رصيد المجتمع في الوعي والإدراك والثقافة، حيث إن ثقافة التعايش والقبول في الاختلافات بكل أنواعها مبني على ثقافة السلم الاجتماعي الذي دعا له الخالق سبحانه في سورة البقرة آية 208، حيث قال جل شأنه: «يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة».

والاستطلاع الذي قامت به صحيفة جهينة الإخبارية، بخصوص مسألة اختلاف ثبوت الهلال، كشف عن الواقع الاجتماعي السمح والجميل والرائع الذي يحمله أبناء المجتمع القطيفي، وعلى مستوي معدل اختلاف أبنائه في الأعمار والثقافات، كذلك كشف على أنهم متفهمون مسألة مصادر هذه الاختلافات، باعتبار أنها صادرة من جهات مرجعية دينية وعلمائية متخصصة في علم الفقه والشرع والدين، ولهم منزلتهم ومكانتهم الدينية والاجتماعية، وهم الجهة الوحيدة والقادرة على إعطاء رأي في كل جانب شرعي وديني، باعتبارهم أهل الاختصاص في هذا المجال دون غيرهم في إعطاء الفتوى وتنظيم أمور الناس العبادية، كما لكل تخصص أهله وحقه في إبداء رأيه حسب موازين علمية وعقلية.

فإذا وجد في المجتمع الواحد، حالة من التعايش والقبول لهذه الاختلافات الدينية والفكرية والثقافية على أنها حق مكفول لكل فرد، وهي سنة كونية، وأعطت عنوانا سلوكيات إيمانيا على هذا المبدأ، حيث طبقته واقعيا ومثلته على أرض الواقع، بقبولها وتعايشها لهذه الاختلافات، بروح طيبة، وتعايش إنساني رائع، وبسلم اجتماعي يضمن حرية وحقوق الآخرين.

إذن فلماذا نجد بعض الآراء أو بعض الأقلام في مسألة ثبوت الهلال أو غيره من الاختلافات الشرعية، تصنع منه مشكلة من لا مشكلة، مما ينتج عنه لربما تمزقا هذه الحالة الاجتماعية الآمنة والمستقرة والمطمئنة والراضية بهذا التنوع الاجتماعي والديني والفكري والثقافي، بل نجد هذه الآراء وهذه الأقلام تسعى لهدف توجيه المجتمع نحو توحيد الناس على رأي وفكر وثقافة واحدة؟

وهذا التوجه خلاف إرادة الله، حيث إن إرادة الله هي من وجدت هذه الاختلافات بين الناس كسنة وإرادة كونية، حيث قال سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم: ”ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين“، وفي آية أخرى قال: ”هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير“، وفي آية أخرى قال جل شأنه: ”ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين“

إذن مسألة الاختلاف أمر محسوم من قبل الله سبحانه وتعالى، فلا ينبغي السعي والجري حولة مسألة الله أرادها أن تكون بين خلقه وعباده أي أن يكونوا مختلفين، وفي هذه حكمة إلهية ينبغي علينا إدراكها، ألا وهي إعطاء فرصة من الاطلاع والمعرفة على فكر الآخر وعلى ما يحمله من فكر وثقافة مغايرة أو مختلفة معك، مما يتيح لك الفرصة في توسع دائرتك البحثية والفكرية، أو لعله يصب في تطوير مستواك الفكري والعلمي والعملي، كما أن الإسلام رسخ مبدأ اسمه آداب الاختلاف مع الآخر، وهذه قاعدة إسلامية تحفظ للمختلفين حرية ما يعتقدون به تحت مظلة السلم الاجتماعي باعتبار أن الاختلاف سنة الإلهية، مع إعطاء حرية وحق الباحث والكاتب، في البحث والتنقيب عما يجده الأفضل وفق آليات تخصصية وعلمية، دون العبث في خدش روحية المجتمع، القائم على مبدأ القبول والتعايش مع الآخر بكل أنواع الاختلافات الدينية والفكرية والثقافية، ومع مراعاة حفظ اللحمة الاجتماعية من أي تفكك اجتماعي باسم الوحدة العبادية أو المرجعية.