آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

الحقد الاعمى

محمد أحمد التاروتي *

يتخذ البعض مواقف صادمة، انطلاقا من مبررات غير مفهومة أحيانا وغير مقبولة أحيانا اخرى، فهو يحاول تسويق مواقفه ”المتخاذلة“ عبر اثارة بعض العواطف، فتارة تكون بشكل مباشر، وتارة أخرى بطريقة مباشرة، لاسيما وان المواقف المتخاذلة تتطلب انتهاج سياسة اثارة المشاعر العاطفية، بهدف الحصول على التأييد او تفادي المعارضة الشديدة، لاسيما وان تلك المواقف لا تنسجم مع المبادئ الأخلاقية، والقواعد الإنسانية.

المواقف المتخاذلة تشكل صدمة كبرى على الصعيد الاجتماعي، باعتبارها خطوة غير مسبوقة، وتكشف عن تحولات خطيرة على الاطار الثقافي، مما يمهد الطريق امام انتهاج مواقف اكثر جرأة في الفترة القادمة، لاسيما وان اتخاذ المواقف المتخاذلة ليس مفاجئا في الغالب، وانما سبقته بعض المؤشرات على الصعيد الفكري، بيد ان اخراج تلك المواقف للعلن، مرتبط بالظروف الاجتماعية المتقبلة لتلك المواقف أولا، ومرهون بالأوضاع السياسية القائمة ثانيا، مما يشجع على اعلان تلك المواقف على الملأ.

خطورة تلك المواقف المتخاذلة، تكمن في قدرة أصحابها على الترويج لها، من خلال انتهاج سياسة الاستقطاب العاطفي، فتارة من خلال الانتصار للقبيلة او الجماعة، وتارة عبر التشكيك في مصداقية تلك الجهات، مما يحدث حالة من التذبذب في الساحة الاجتماعية، نظرا لوجود اطراف تعمل على ادخال الشك، والريبة في الأهداف الحقيقية، لتحركات الأطراف المستهدفة، بمعنى اخر، فان القناعات الشخصية المتخاذلة ليست ذات قيمة على المستوى الاجتماعي، بيد انها تتحول الى حنجر في خاصرة الضمير الاجتماعي، بمجرد خروجها من الاطار الضيق، الى الفضاء الاجتماعي الواسع، مما يسهم في خلق تيار اجتماعي يساند المواقف المتخاذلة، وغير المبدئية على الاطلاق.

القدرة على اختراق الوعي الاجتماعي، عنصر أساسي في استقطاب بعض شرائح المجتمع، خصوصا وان عملية الترويج للمواقف المتخاذلة ليست متاحة للجميع، نظرا لاختلاف الإمكانيات أولا، وامتلاك أدوات الاقناع ثانيا، وبالتالي فان وجود الإمكانيات لاعادة برمجة الوعي الاجتماعي، يمثل خطورة كبرى في التخلي عن المواقف المبدئية، والدخول في دوامة المساومات، والتنازل عن الأسس الأخلاقية، من خلال التحرك باتجاه اطلاق العديد من المواقف المتخاذلة، تحت مسميات متعددة، ”كلمة حق يراد بها باطل“، فالقدرة على اختراق الوعي الاجتماعي، يساعد في انتشار المواقف المتخاذلة بسرعة، مما يسمح بحرية الحركة لهذه الأطراف، دون خشية او الخوف من التعرض للانتقادات الشديدة.

التصفيق سواء كان على الاطار الضيق او الواسع، احد المحفزات على السير قدما في اطلاق المزيد من المواقف المتخاذلة، فالتصفيق يزيل الخشية من التعرض للمضايقة، مما يولد حالة من الغرور، والانغماس بقوة في الترويج، لهذه المواقف في البيئة الاجتماعية، لاسيما وان عملية الحصول على المساندة تتطلب الكثير من الجهد، بيد ان التشجيع يشكل بداية نحو الدخول بقوة، في معاكسة التيار الاجتماعي، والعمل على تأطير المواقف المتخاذلة بغطاء أخلاقي، نظرا لأهمية الجوانب الأخلاقية في استقطاب التأييد الاجتماعي، فالشرائح الاجتماعية ليست في وارد الاستجابة، او مناصرة بعض المواقف بدون غطاء أخلاقي، الامر الذي يشجع على انتهاج سياسة الخداع، للحصول على التأييد، وتبني المواقف المتخاذلة.

المواقف المتخاذلة تجاه القضايا الاجتماعية الكبرى، جريمة أخلاقية وتنازل غير مبرر على الاطلاق، لاسيما وان الدفاع عن القضايا الكبرى واجب أخلاقي، وانساني، ومبدئي، وبالتالي فان المبررات على اختلافها، ليست قادرة على تمرير تلك المواقف المتخاذلة، نظرا لوجود مرتكزات ثابتة ليست قابلة للمساومة، مما يستدعي إعادة النظر في تلك المواقف المتخاذلة، باعتبارها تحركات مريضة، وتسبب الوهن في الجسم الاجتماعي، فالعمل على نبذ المواقف المتخاذلة ينم عن وعي اجتماعي كبير، خصوصا وان السماح بتمرير المواقف المتخاذلة يكشف الحالة المرضية، التي يعيشها المجتمع على الاطار الأخلاقي والمبدئي، فالمجتمعات النابضة بالحياة ترفض مختلف اشكال المواقف المتخاذلة، التي تحاول المساس بالقضايا المركزية.

بكلمة، فان المواقف المتخاذلة تكشف عن انهزامية حقيقية، من خلال اطلاق مثل هذه القناعات، ومحاولة تمريرها في البيئة الاجتماعية، من اجل خلق تيار جارف لسف المبادئ الأخلاقية، القائمة على مناصرة القضايا الكبرى.

كاتب صحفي