آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 8:42 ص

ثقافة الغش

محمد أحمد التاروتي *

ضبط الكثير من الممارسات الاحتيالية، واستخدام الغش بمختلف أنواعه، ليس جديدا، فالجهات الرقابية تضبط على الدوام مثل هذه الأساليب غير المشروعة، اذ لا يكاد قطاع من القطاعات التجارية والخدمية، يخلو من الممارسات الاحتيالية، الامر الذي يفسر استمرار الحرب بين الجهات الرقابية والاطراف اللاعبة، في فنون الغش بمختلف اشكاله.

السؤال هل هناك آمال بانتهاء الغش بمختلف أنواعه؟

الاجابة معروفة سلفا، والتي تتمحور في استحالة القضاء على الممارسات الاحتيالية، وزوال الغش بجميع صنوفه، نظرا وجود ثقافة تغذي هذه السلوكيات البشرية في الحياة اليومية، سواء نتيجة قناعات شخصية، او بسبب الثقافة المجتمعية السائدة، فالمحصلة النهائية تكمن في تكريس مفردات هذه الثقافة، في وجدان بعض الشرائح الاجتماعية، مما يحفزها على مواصلة مشوار الغش، وعدم الأكتراث للأضرار الناجمة عنه، سواء على الصعيد الشخصي، او الإطار الاجتماعي، خصوصا وان تمدد هذه الممارسات في البيئة الاجتماعية، يجعلها بمثابة المائدة اليومية، التي يصعب التخلص منها.

ثقافة الغش بما تحمل من اثار كارثية على البيئة الاجتماعية، ليست حدثا طارئا، ولكنها مرتبطة بالنوازع الشيطانية، التي تحرك أصحابها لمحاولة إيذاء الاخرين بطرق مختلفة، فتارة بواسطة تقديم الأطعمة الفاسدة، للاستحواذ على الأموال بطريقة غير مشروعة ”السحت“، وتارة أخرى عبر تقديم الغذاء الثقافي المسموم، من خلال الترويج لبعض الأفكار المغلوطة، وغير السليمة، لاهداف بعضها شخصي، والبعض الاخر خدمة لاطراف أخرى، وبالتالي فان ثقافة الغش تمثل الزاد الذي يغذي الممارسات اليومية، لدى العديد من الشرائح الاجتماعية، حيث يختلف الغش تبعا لحجم المسؤولية، وكذلك نوعية الموقع العملي، فكل شخص يمارس في هدم الثقافة الاجتماعية بطريقته الخاصة، نظرا لاختلاف التأثير المباشر وغير المباشر، على المفردات اليومية للثقافة المجتمعية السائدة.

انتشار الغش في المجتمعات ليس دلالة على فساد البيئة الاجتماعية، بقدر ما يكشف وجود بيئات حاضنة لتلك الممارسات، الامر الذي يسهم في اكتشاف البعض منها، فيما يبقى البعض الاخر بعيدا عن الأنظار، فبعض الممارسات بالإمكان اكتشافها، نظرا لارتباطها بالاخرين بشكل مباشر، فيما البعض الاخر يصعب اكتشافها، نظرا لاستخدامها بعض الطرق الالتوائية، وأحيانا المشروعة، في سبيل تحقيق المآرب الخاصة، مما يجعل من عملية رصدها وترصدها غاية في الصعوبة، وبالتالي فان ثقافة الغش قادرة على اختراق الكثير من الحواجز المنيعة، جراء وجود مصالح خاصة، تحرض على ابتكار مختلف الأساليب، في سبيل الوصول الى تلك الغايات الشخصية، وأحيانا لتحقيق بعض مصالح الاخرين.

ردود الأفعال المتباينة تجاه الممارسات الاحتيالية، تنم عن صحوة ضمير لدى الكثير من الفئات الاجتماعية، بيد ان استمرارها وعدم القدرة على السيطرة عليها، يكشف عن وجود مرتكزات راسخة في الثقافة الاجتماعية، خصوصا وان الغش لا ينحصر في ممارسات محددة، ولكنه يشمل الكثير من الجوانب الحياتية، مما يعطي دلالات واضحة على قيام الكثير من الناس، باستخدام هذه الثقافة في الحياة اليومية بطرق مختلفة، فالبعض يستخدم الغش كغطاء لتمرير بعض الاعمال اليومية، والبعض الاخر يحاول الاستفادة من البيئة الاجتماعية، لتكريس هذه الممارسات، والعمل على إضفاء الشرعية عليها، وبالتالي فان ردود الأفعال الناجمة عن بعض الممارسات الاحتيالية تكشف جانبا عاطفيا، ولا يقود الى نشر ثقافة مضادة لتلك الاعمال غير المشروعة.

معالجة ثقافة الغش عملية مستمرة، وليست مقتصرة على حقبة زمنية محددة، خصوصا وان اقتلاع هذه الثقافة الفاسدة، ليس سهلا على الاطلاق، خصوصا وان بعض الطبائع البشرية تدفع باتجاه ”النفس الامارة بالسوء“، مما يدفع لمحاولة انتهاج الخداع والمراوغة، في سبيل تحقيق بعض المكاسب السريعة، وبالتالي فان إيجاد الأرضية المناسبة لبث الثقافة المضادة، والقائمة على التعامل الصادق، ونبذ مختلف اشكال الغش والاحتيال، عملية مكلفة للغاية، وبحاجة الى الكثير من العمل والجهد، نظرا لوجود اطراف تحاول عرقلة تلك المساعي، لما تمثله من خطورة عليها بشكل مباشر او غير مباشر.

كاتب صحفي