آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 2:09 م

عفن الثقافة

محمد أحمد التاروتي *

اثار اكتشاف العفن الأسود بالهند الذعر والخوف، في كثير من بلدان العالم، حيث اتخذت الدوائر الصحية في اغلب البلدان، إجراءات احترازية للحيلولة دون انتشار المرض الى دولها، نظرا لدوره الكبير في وفاة اعداد كبيرة في الهند خلال الفترة الماضية، خصوصا وان العفن الأسود يهدد حياة المصابين بالسكري، أو المصابين بنقص المناعة الشديد، مثل مرضى السرطان.

في المقابل تواجه العقول البشرية، بمرض لا يقل خطورة عن ”العفن الأسود“، حيث تتعرض العقول البشرية لموجات شديدة من العفن الثقافي، بواسطة جهات تعمل على مدار الساعة في تلويث القنوات الثقافية السليمة، مما يحدث حالة من الارباك الشديد في الوصول الى المعلومة الصحيحة والنقية، وبالتالي احداث فوضى حقيقة في طبيعة الثقافة السائدة، فالتحولات الثقافية الحاصلة حاليا، تكشف جانبا من تلك التحركات غير البريئة، لبث العفن الثقافي في البيئات الاجتماعية.

خطورة العفن الثقافي تكمن في قدرته، على اختراق المرتكزات الفكرية السليمة، من خلال تكريس مفاهيم ومفردات طارئة، الامر الذي يحولها الى مائدة ثقافية يوميا في الفضاء الاجتماعي، مما يصعب من عملية اقتلاعها، او محاولة تصحيح مسارها، نظرا لوجود اطراف تدافع عنها بكل قوة، انطلاقا من قناعات بصحتها أحيانا والحيلولة عدم السماح للأطراف ”المخربة“، للتلاعب في المفردات الثقافية السائدة أحيانا أخرى، ”إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ“، وبالتالي فان العفن الثقافي يكرس واقعا بائسا في العقول، نظرا لقدرته على قلب الموازين، لدى بعض الشرائح الاجتماعية، بحيث تصبح الأمور رأسا على عقب.

العفن الثقافي لا يؤطر بممارسات معينة، فكل عمل يهدف لتخريب العقول، ويعمل على احداث فوضى في الجانب المعرفي لدى المجتمع، يدخل ضمن اعمال العفن الثقافي، اذ من الصعب تأطير الممارسات في قوالب محددة، نظرا لاتساع دائرة العمل الثقافي، وعدم اقتصاره على جوانب معينة، وبالتالي فان بث بعض المفردات الخادشة للحياء، يمثل احد معالم العفن الثقافي، وكذلك فان الدخول في صراعات جانبية، للانتصار للظالم على المظلوم، يدخل في اطار تكريس العفن الثقافي، وأيضا فان بعض الاعمال الأدبية الهابطة، تدخل ضمن تلك الاعمال المشوهة للبيئة الثقافية السليمة، وبالتالي فان العفن الثقافي ممارسات مختلفة تصب في قناة واحدة، والتي تتمثل في تعطيل المسار الثقافي الصافي لدى البيئة الاجتماعية.

ادخال العفن الثقافي في البيئة الاجتماعية يتخذ اشكالا متعددة، فتارة يكون بشكل تصادمي من خلال الدخول في مواجهة مباشرة، مع الشرائح الاجتماعي لتكريس واقعا طارئا على الثقافة السائدة، وتارة أخرى يكون بواسطة استخدام ”الشباك“، عوضا من الدخول من ”الباب“، نظرا لادراك الجميع صعوبة اختراق الواقع القائم، مما يستدعي انتهاج سياسة ”الشباك“، وعدم استعجال النتائج، لاسيما وان عملية توطين العفن الثقافي تتطلب التحلي بالصبر، وعدم استباق الاحداثِ، من خلال التركيز على الفئات الأقل وعيا، والأكثر تأثيرا في الحياة الاجتماعي، خصوصا وان هناك فئات تمتاز بسرعة الاستجابة لبعض التحولات الجديدة، كنوع من التغير ومحاولة البروز على الاطار الاجتماعي، مما يدفعها للانخراط في لعبة ”العفن الثقافي“ بشكل مباشر، وأحيانا تكون النتائج كارثية على هذه الفئات، نظرا لعدم قدرتها على الخروج سريعا، مما يستدعي تحمل الكثير من التكاليف، على صعيد السمعة الذاتية، وأحيانا على المكانة الاجتماعية، جراء فقدانها الكثير من الرصيد الاجتماعي.

التجاذبات الثقافية والتحولات الفكرية ظاهرة صحية، وتنم عن حراك حقيقي في المجتمع، نظرا لوجود اطراف تحاول الدخول في مناطق ضيقة، والعمل على توسيع الأطر المحدودة، التي تتسم بعض الأطراف الاجتماعية، بيد استبدال الظواهر الصحية على الاطار الثقافي باخرى مرضية وضارة، يترك تشوهات حقيقية في الجدار الثقافي الاجتماعي، نظرا لابتعاد تلك الظواهر عن الأهداف السامية من وراء التنافس الشريف، فادخال العفن الثقافي يسهم في تسميم العقول بافكار ضارة، تصيب البيئة الاجتماعية بحالة من الشلل التام، وأحيانا يقود الى الموت الثقافي، جراء انعدام الأدوات القادرة على بعث الحياة الثقافية، لدى الكثير من الفئات الاجتماعية، بسبب سيطرت التنويم المغناطيسي، الناجم عن انتشار العفن الثقافي العقول، وعدم القدرة على التحرر من تلك الأفكار الضارة.

كاتب صحفي