آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

فكرةٌ تُشيّد إنسان وأخرى تهْدمه.

ليلى الزاهر *

التقدّم الحضاريّ، وأدوات التكنولوجيا يصبّان في مجرى تحسين أوضاعنا، وتبسيط أمور حياتنا، والناس في أغلبهم يستمتعون بمخرجات التكنولوجيا، وبالرغم عن ذلك تحيطهم الكآبة ويعلو محياهم الألم مما يجعلني أفترض القول بأن السلوك البشري هو حجر الزاوية في إنشاء المجتمعات الإنسانية وتقدّمها بعيدا عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي.

إن نظرية الدافع الحضاريّ من أجل خدمة الإنسان حقيقة مبتورة فكلما زادت تعقيدات التواصل بالآخرين أصبح الإنسان أكثر كآبة؛ وذلك لأن الإنسان إذا اندمج مع أحد المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي يعيش معه في عالم افتراضيّ غير محسوس فيشعر بأنه على هامش الأحداث، والمُخيف في الأمر إدمان المتابعة التي تؤدي إلى تعطيل قدرات الناشئين ومكوثهم في مكانهم داخل قوقعة ميتة لا تمت للحياة والنشاط بصلة.

إنّ ذلك المُؤثِر يبني بفكرةٍ مدينة خيالية ويهدم بأخرى إنسان. وعلى المتلقي التصديق والعمل بما يقول حتى لو كان ذلك على حساب مستقبله التعليمي وتغيير تخصصه الأكاديمي، فما هو إلا تابع له يتبعه كظلّه، ويمخر عباب مخاطر كلماته اقتداءً به. وكم ساهم هؤلاء المؤثرون في تغيير دفة

الحياة للكثير من الناشئين سلبًا أو إيجابًا.

والحقيقة التي ينصّ عليها كل باحث في شأن هذه الفئة من الناس أن نتحلى بالرؤية المتكاملة لهم، كما يُفترض أن يكون معلوما لدى الناشئة أنهم ليسوا بأفضل منهم بل أن الفرصة فتحت أبوابها لهم.

وقبل أن تُغير مسارك الجامعي بحسب وجهة نظر أحد المؤثرين عليك التفكير بشكل متزن في عواقب دوامات الندم التي تلحقك على أثر ضياع بعض السنوات التعليمية من نطاق طاقاتك المهدورة.

لايكفينا خيال المؤثر اجتماعيا بل لابد أن ننزل لمستوى الواقع في أطروحاتنا المستقبلية فالمحك الصادق لايكمن في إطلاق بعض التوجيهات ذات الفرقعة الإعلامية وإنما في مناسبتها للأجيال الصاعدة مع مراعاة اختلاف طبقاتهم الاجتماعية وأحوالهم المادية وتوجهاتهم الفكرية إذ قد تؤدي المبالغة في متابعتهم نحو منعطفات خطيرة في حياتهم وتشكل نقمة كبيرة إذا لامست أجمل وأشرف مكنوناتهم.

لذلك نجد أنفسنا تعساء في مواجهة وسائل التواصل لأنها ليست سوى عوالم افتراضية ترتكز على الخيال وتصرف الفكر عن الواقعية من خلال أحاديث تسويقية في ظاهرها تحمل معطيات متكاملة للسعادة بينما هي في حقيقة أمرها خلاف ذلك.