آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

غياب دور الآباء والأمهات عن توجيه أبنائهم سبب رئيس في إخفاق تربيتهم

زكريا أبو سرير

وردتني عدة تعليقات من بعض القراء الكرام، عن مقال كتبته بعنوان ”فقد الشباب مؤلم وخسارة عظيمة“، وباعتبار أن هذا المقال كان يلامس أهم عنصر في حياة كل فرد في المجتمع، وهم أفلاذ أكبادنا وهي شريحة الأبناء أو الشباب، وهم أبناؤنا وعز ما وهبنا الله به بعد نعمة الإسلام، حيث كان أبرز تعليق ضمن مجموعة من التعليقات المحترمة والموقرة كان هو تعليق أستاذنا العزيز هلال آل حبيل ”أبو صدقي“ من أهالي جزيرة تاروت.

الأستاذ أبو صدقي، أشار لعدة عوامل تؤدي إلى فشل الطلاب دراسيا أو إلى إخفاقهم تربويا، وأبرز تلك العوامل الذي ذكرها هو عامل مهم ورئيس في بلورة وصناعة شخصية الشباب، ألا وهو غياب دور الآباء والأمهات وأفراد الأسرة تربويا ورقابيا، سواء كان على المدى القريب أو البعيد، وكذلك عدم مراقبة دور تأثير الصديق أو الأصدقاء على شخصية أبنائهم، وهو يُعد عاملا رئيسا ومؤثرا في نجاح أو فشل بناء شخصية الأبناء، وهنا يصبح دور الأبوين والأسرة مضاعفا، حيث يكمن دورهم الرقابي داخل المنزل، وآخر خارج المنزل.

يؤكد المربي والمعلم الفاضل أبو صدقي، وهو شخصية اجتماعية مرموقة ومعروفة في المجتمع، وصاحب خبرة اجتماعية قرابة السبعين عاما، وكذلك خبرة عملية متنوعة في قطاع التعليم، حيث حظي بخبرة عملية في سلك التعليم، موزعة بين داخل البلاد وخارجه، وبالتحديد في إحدى دول الخليج العربي، قرابة الأربعين عاما، مما أهله لكشف الكثير لمعرفة أحوال المجتمع وكشف أسرار أغوار التربية، وذلك من خلال ما ورده من عدة مشاكل متنوعة من قبل بعض طلابه وعلى مراحل دراسية وأعمار مختلفة، ومن تلك المشاكل الذي بحثها وكشفها وشارك في علاجها، كان يتمثل أسبابها في غياب دور عامل الرقابة والتربية الصالحة من قبل الأبوين أو الأسرة.

والكلام ما زال عند الأستاذ أبا صدقي، حيث يذكر أن هناك بعض السلوكيات الخاطئة والفادحة قد كشفناها عند بعض الطلاب اسبابها آبائهم، على سبيل المثال لا الحصر، عدم وجود اتصال مباشر بين الآباء وابناؤهم أو العكس، وهذا السلوك الخاطئ من قبل الآباء انعكس على المدرسة كذلك، حيث لم نجد لهم اي مشاركات فعالة في مجلس الآباء الذي يُعد من قبل مجلس إدارة المدرسة، وغياب أبنائهم عن منازلهم لفترات زمنية طويلة دون إيجاد الإحساس بهم أو السؤال عنهم، أو عن أماكن تواجدهم ومن هم رفقاؤهم، وكيف هي أخلاقياتهم، ومدى مستوى تدينهم، ومدى علاقتهم بالمدرسة وما مستواهم الدراسي، وغير ذلك من تلك الأسباب التي تؤدي نهاية المطاف إلى دمار مستقبل وكيان أبنائهم.

كما أن هناك بعض العائلات المقتدرة ماديا، تتسبب في فشل أبنائها دراسيا وتربويا، من خلال منحهم مركبات فارهة، ولم يتجاوز أعمارهم حتى السادسة عشر، وهنا تكمن الخطورة على أبناؤهم وعلى الآخرين، لعدم تملكم الوعي والخبرة الكافية بخطورة قيادة هذه المركبة وهم دون السن القانوني، إضافة إلى ذلك عدم وعيهم بالإحساس بتحمل المسؤولية تجاه أنفسهم والآخرين والممتلكات العامة والخاصة.

وذكر أسبابا أخرى تتعلق بتلك المعوقات التي تتسبب في فشل هذا الشاب أو الطالب تربويا ودراسيا، وهذا ما كشفه ولمسه من خلال خبرته العملية التي قضاها في قطاع التعليم إضافة إلى أنه رب أسرة، وطوال هذه الفترة الزمنية الطويلة الذي قضاها بين التدريس والعمل في الإدارة اللذين تميز فيهما أكد أن نتيجة سوء التربية يتمثل في الإهمال واللا مبالاة من قبل الآباء أو الأمهات أو أفراد الأسرة بشكل عام يؤدي في نهايته إلى نتيجة محزنة ومؤسفة مع الأسف الشديد، وهو فشل أبناؤهم دراسيا وإفساد أخلاقهم، وخاصة البالغين منهم جراء هذه التصرفات الخاطئة والفادحة من قبل الآباء أو الأمهات أو أفراد الأسرة.

وهذا لا يعني أو يفهم أن كل المشاكل الذي رأيناها أو سمعناها من قبل بعض الشباب المتهور كان بالضرورة نتيجتها او سببها عدم توفر بيئة صالحة لهم، أو هي نتيجة عدم قيام الأبوين أو الأسرة بدورهم تجاه أبنائهم كما ينبغي، بالطبع لا ولم نقصد هذا، بل نظن أن غالب الآباء والأمهات والحمد لله ربما يحرقون دماءهم في سبيل تربية أبنائهم تربية صالحة ومتميزة، ولكن قرناء السوء بعض الأحيان يكون لهم دور مؤثر في تغير نمط تفكير الأبناء، ومحاولة استبدال قناعتهم التربوية الصالحة إلى ما يحلو لهم من أفكار فاسدة، أو لربما يكون البعض منهم على القاعدة القرآنية ”إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء“.

ومع الأسف الشديد قد نجد بعض الشباب، وخاصة من فئة المراهقين، تتملكهم حالة من التخشب والتصلب الفكري، ولا يقتنع الواحد منهم بالشيء الذي يمارسه على أنه خطأ وخطأ فادح إلا عندما يذوق مرارة تلك التجربة المدمرة، ولعله يكررها عدة مرات إصرارا أو تهورا منه، ولربما واحدة من تلك التجارب الخطيرة التي يقوم بها تحدد مصيره للأبد، أو قد تكون هي لا سمح الله المهلكة له ومن ثم خسارة حياته، نتيجة خوضه لتلك التجربة الفاشلة المعلوم نتيجتها سلفا، أو بسببها يفقد عضوا من أعضاء جسده، عندها تكون الندامة جاءت متأخرة، مما يضطره أن يعيش عاجزا، ولربما تدخله هذه الأزمة في دوامة نفسية مؤلمة وطويلة الأجل تفقده ربما الأمل في الرجوع إلى الحياة الطبيعية.

وهنا الواجب علينا كآباء وأمهات وأسرة تحمل المسؤولية كاملة تجاه أبنائنا، وينبغي أن نوفر لهم الرعاية الكافية خاصة في الجانب التربوي والرقابي والنفسي، ونستفيد من تجارب الآخرين، وخاصة من أصحاب الخبرات الحياتية والعلمية الواسعة والمتنوعة، حيث هؤلاء لامسوا مرارة هذه التجارب المرة التي مرت عليهم، وعاشوا التحديات الصعبة معها بكل أشكالها وألوانها، كذلك ينبغي على أحبتنا الشباب الكرام مزيدا من التعقل والتفكر، وألا يبخسوا حياتهم بأرخص الأثمان، وأن يحذروا من قرناء السوء بل الواجب عليهم الابتعاد عنهم، حتى لو كان هؤلاء من الأرحام، كذلك واجبهم إكرام وإعزاز إنسانيتهم كما أراد لها خالقها سبحانه وتعالى لهم، حين قال جل شأنه: ”ولقد كرمنا بني آدم“.