آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 2:22 م

الحرب الإعلامية

محمد أحمد التاروتي *

الحروب الإعلامية عنصر أساسي لمختلف المعارك، سواء العسكرية او السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية، فامتلاك الأدوات الإعلامية يساعد في تشكيل الرأي العام، وكذلك القدرة على اختراق الوعي لدى الطرف المقابل، الامر الذي يفسر حجم الميزانيات الضخمة المخصصة، للاستحواذ على المنابر الإعلامية، كونها أداة قوية في إيصال الرسائل لمختلف الأطراف، فضلا عن كون الوسائل الإعلامية عنصر أساسي، في الهروب من الحصار بمختلف اشكاله، فالاطراف التي تمتلك منابر إعلامية يصعب السيطرة عليها، او محاولة تحجيمها ضمن نطاق جغرافي محددة، نظرا لامتلاك أدوات تتجاوز الحدود المرسومة.

امتلاك الوسائل الإعلامية عامل أساسي، في حسم المعارك ”الكلامية“، ولكنه ليس كافيا في تحقيق الانتصارات، وتوجيه ضربات موجعة للخصوم، فالعملية مرتبطة بالاليات المتخذة للاستفادة من الأدوات الإعلامية، خصوصا وان وجود الموارد المالية الضخمة للاستحواذ على الوسائل الإعلامية، بحاجة على كوادر بشرية قادرة على توظيف المعركة بالطريقة المناسبة، لاسيما وان المعارك على اختلافها تتخذ اشكالا متعددة، نظرا لاختلاف الظروف السياسية والأوضاع الاقتصادية، مما يستدعي قراءة الواقع القائم، والعمل على تحديد الاليات المناسبة، لمواجهة الخطط المرسومة من الخصم، بهدف وضع البرامج القادرة على حماية الجبهة الداخلية من الاختراق، وكذلك القدرة على الوصول الى البيئات الحاضنة للخصوم، من اجل تشكيل جماعة ضغط في الداخل.

القدرة على إدارة الحروب الإعلامية بالطريقة الاحترافية، امر بالغ الأهمية لتحقيق الأغراض من تسخير تلك الأدوات، خصوصا وان الإخفاق في إدارة العملية الإعلامية يفتح الطريق امام الخصوم لتسجيل نقاط، مما ينعكس على اختراق الوعي الاجتماعي، مما يسهم في فقدان جزء من الحاضنة الاجتماعية، الامر الذي يمهد الطريق للخروج من المعركة بخسائر، تارة تكون تلك الخسارة فادحة، وتارة أخرى تكون محدودة، بيد ان النتيجة تتمحور في خسارة المعركة الإعلامية.

صناعة المادة الإعلامية عملية أساسية في توجيه الرأي العام، خصوصا وان القواعد الشعبية تتعاطى مع بعض المعلومات كحقائق، مما يجعلها أسيرة لتلك المعلومات الصادرة من الوسائل الإعلامية، وبالتالي فان حماية الوعي الاجتماعي يتطلب البحث الدائم عن المواد الإعلامية، القادرة على تدعيم القاعدة الشعبية، وتفويت الفرصة على الأطراف الأخرى لتكريس بعض المعلومات المغلوطة، خصوصا وان مستويات الوعي الاجتماعي متفاوتة، مما يفرض اتخاذ جميع الاحتياطات لمواجهة الصورة المغلوطة، التي يحاول الخصوم تكريسها في الوعي الاجتماعي، من خلال التوجيه المباشر تارة، والتوجيه غير المباشر تارة أخرى.

السقف الزمني للمعارك الإعلامية مفتوح في العادة، نظرا لقدرة الأطراف المتعاركة على الصمود في مختلف الجبهات، الامر الذي يفرض الدخول في معارك إعلامية طويلة الأمد، فهناك العديد من الحروب الإعلامية ما تزال مستمرة منذ عقود طويلة، فيما بعض الحروب لم تصمد عدة سنوات، نظرا لانسحاب احد الأطراف المتضررة، او بسبب إعادة تقييم الأمور بشكل جذري، مما ساهم في تشكيل تحالفات جديدة، الامر الذي فرض إعادة برمجة الحروب الإعلامية بطريقة مغايرة تماما، وبالتالي فان رسم مسار زمني للمعارك الإعلامية، مرتبط بالتطورات على الأرض في الغالب.

الجولات المختلفة للمعارك الإعلامية تكشف شراسة هذه النوعية من الحروب، فالانتصار في الجولات الأولية ليس مدعاة للزهو والتفاخر، نظرا لامكانية توجيه ضربات قوية من الخصوم في الجولات القادمة، وبالتالي فان العمل على دراسة الخطوات القادمة للخصوم، عملية أساسية في إدارة الحروب الإعلامية بالطريقة الاحترافية، فالتراخي وعدم الاستعداد بالطريقة المثالية يكشف الظهر امام الخصوم، مما يسهم في توجيه ضربة قاسمة، بإمكانها حسم المعركة بطريقة سريعة وغير متوقعة.

تبقى الحروب الإعلامية أداة فاعلة، في مختلف المعارك بكافة المجالات، نظرا لقدرة الاعلام على توجيه الرأي العام، وإيصال الرسائل لمختلف الأطراف، الامر الذي يعزز الحضور في الساحة، جراء وجود الصوت القادر على اختراق جميع الحواجز، وبالتالي فان الانتصار في المعركة الإعلامية عملية أساسية في مختلف الحروب.

كاتب صحفي