آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 5:35 م

أوراق طويت

العلاقة بين الزوجين رابطة سامية يتطلع من خلالها الطرفان تحقيق الانسجام ومد روابط المحبة والانجذاب بينهما، وبلا شك أن هذا الهدف لا يتحقق من خلال الأمنيات والرؤى الحالمة، بل يتعين على الزوجين صنع المواقف التي تثبت لشريك الحياة وجود مساحة له في شعوره واهتمامه، فالحياة الزوجية في استمراريتها واستقرارها وتجددها تعتمد على تقدير المواقف والتشجيع على المزيد من التفاهم وبناء جسور الثقة، كما أن محطات سوء الفهم والخلافات حول القضايا التي تهمهما وموارد التقصير من أحدهما تحتاج إلى معالجة تدرأ عنهما الدخول في المشاحنات والمشاجرات المنغصة لصفو عيشهما.

ولاختصار المسافة علينا في البحث عن الحل الأمثل للتعامل مع الهفوات وأوجه التقصير الصادرة من شريك الحياة لا تخرج عن مسارين: فإما أن نغلب العاطفة والانفعال الشديد ونواجه الكلمة القاسية بمثلها وموقف التجاهل والصمت المطبق بموقف لا يختلف عنه، وإما أن نجد طريقة تبريد للأجواء الملتهبة وبلسما يحافظ على منسوب المحبة والاحترام بينهما، ويبقي مظلة التوافق والتفاهم دون أن تتعرض لاهتزاز وانحسار، ولا يوجد مسار ثالث نبحث عنه يوصلنا لبر الأمان والانسجام بين الزوجين بسبب اختلاف أو سوء فهم بينهما.

المسار الأول وهو احتدام الخلاف والدخول في الحوارات الساخنة والمعتركات الأسرية لن يكون - بالطبع - المسار الذي يختاره أي زوجين يبحثان عن ظلال راحة البال والسعادة، ومهما غلف هذا المسار بعبارات رنانة كإثبات الوجود وعدم إبداء الضعف والانكسار أمام الطرف الآخر، فإنه طريق نحو تفاقم المشاكل والاستمرار بها والانجرار إلى الدهاليز المظلمة للمشاجرات، حتى تتفاقم وتصل لمنعطف خطير وهو الصمت بين الزوجين والطلاق العاطفي، فالطلاق الواقعي يعني نهاية العلاقة الزوجية بينهما، ولكن الطلاق العاطفي يعني انحسار منسوب العاطفة والمحبة والاحترام والتفاهم إلى مرحلة عدم الإحساس بوجود شريك الحياة أو الانجذاب حتى للجلوس والحديث معه، وهذه الآثار السلبية الكثيرة للمحاسبة الدقيقة وعدم التجاوز عن خطأ عابر ممن يعمل على راحته وإسعاده، ستدفع بلا إشكال نحو ما لا يرغب فيه عاقل يبحث عن تحقيق الأهداف من العلاقات الزوجية.

والمسار الآخر هو النظر للعلاقة الزوجية كالمركب في وسط الأمواج، يعمل الزوجان على سلامته وتجنب الغرق بالتجديف المشترك بينهما، كذلك علاقتهما في الحفاظ عليها تحتاج من ضمن روافدها إلى تجاوز الخلاف أو الخطأ من أجل بقاء العلاقة في أعلى درجات القوة، وبالتأكيد فإن هذه المسامحة تلقى من المخطيء عين التقدير والإكبار والإعجاب، ويعمل على تبادل تلك المواقف التسامحية مستقبلا مما يجعل الطريق نحو المشاحنات بينهما صعبا ووعرا.

التسامح بوابة ترسي قواعد التفاهم والتوافق بين الزوجين، وتقوم على أساس فهم شخصية الآخر وبأن صدور الخطأ أمر وارد ففي النهاية هم ليسوا بمعصومين، وهذا لا يعني فتح باب التجاوز العمدي وقلة الاحترام والصراخ في وجهه لأتفه الأسباب، ولكن التسامح باب يفتح لحل مشكلة سوء الفهم والهفوات البسيطة، فإذا وقع أي خطأ أو تقصير يمكن معالجته بالتفاهم الهاديء وإبداء الاعتذار وتقبله، وهذا ما يرفد علاقتهما بنقاط قوة في المستقبل لتجاوز أي منعطف صعب، وهذا ما يغلق بابا خطيرا يترتب على المحاسبات الدقيقة وهو فتح ملفات الماضي والعبث بأوراقها، فهذا يعني تحويل المنزل إلى ساحة معركة يستخدم فيها أسلحة النكد والمضايقة بكافة أشكالها، فالخلاف أمر طبيعي ولكن المهم هو كيفية التعامل معه بما لا يسلب منهما العاطفة الصادقة والهدوء النفسي، فالحوار القائم على احترام الآخر وحفظ كرامته وضبط الأعصاب واللسان سيصل بهما إلى حلول مرضية.