آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

ثمرة التطوع

محمد أحمد التاروتي *

يجلب العمل التطوعي المحبة في قلب البعيد قبل القريب، فاعمال الخير ليست بحاجة الى ميزانيات ضخمة للوصول الى قلوب الناس، نظرا لانسجامها مع القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية، الامر الذي يسهم في ارتفاع اسهم ارباب عمل الخير على الدوام، فبذرة الخير قابلة للنمو على الدوام في مختلف الظروف الاجتماعية، نظرا لوجود عوامل ذاتية تدعم تمدد هذه الاعمال في النفوس الاجتماعية، فالمجتمع يقابل الاحسان بالاحسان وكذلك يواجه الإساءة بمثلها.

الشخصيات التي تمارس اعمال الخير تحظى باحترام كبير، نظرا لما تبذله من جهد ووقت، في سبيل تعبيد الطرق الوعرة لدى بعض الفئات، وأحيانا شق الطرق الشاقة امام المجتمع، مما يساعد في وضع الجميع على السكة السليمة، لاسيما وان اعمال الخير ليست مفروشة بالورود على الدوام، نظرا لاختلاف الظروف الحياتية، والمادية، والثقافية، لدى مختلف المجتمعات، الامر الذي يستدعي التحلي بمزيد من الصبر والكثير من العمل، في سبيل إرساء بعض المفاهيم المغلوطة، تجاه بعض الاعمال الاجتماعية، وبالتالي فان محاولة رسم حياة مخملية في طريق ارباب عمل الخير، ليست واقعية في بعض الأحيان، انطلاقا من قاعدة ”الناس أعداء ما جهلوا“.

مواصلة عمل الخير في ظل الظروف الصعبة، ميزة ليست متوافرة لدى الجميع، نظرا لاختلاف مستويات التحمل، وكذلك لتباين مستوى الايمان بتلك الاعمال، فهناك العديد من الاعمال تواجه بالرفض، وعدم الاستجابة في البداية، جراء التباين في القناعات او بسبب عدم اتضاح الصورة بشكل كامل، بيد ان الأمور تتحول الى تفاعل بمجرد انقشاع الغمامة السوداء التي تحجب الرؤية، وبالتالي فان القدرة على مواجهة الصعاب تمثل المدخل الأساسي، في احداث تحولات حقيقية الثقافة الاجتماعية، فيما يتعلق بالنظرة الشمولية لاعمال الخير في المجتمع.

تلمس ثمرة التطوع في المجتمع، يمثل مدخلا أساسيا في الانقلاب الحاصل، لدى العديد من الفئات الاجتماعية، خصوصا وان النظرة السلبية السائدة تجاه بعض المبادرات التطوعية، تدفع باتجاه الوقوف في صفوف المعارضة، الامر الذي يستدعي الصمود بعض الوقت، لجني ثمار تلك المبادرات التطوعية على الأرض، فالكثير من اعمال الخير بحاجة الى الكثير من الوقت والجهد، لاخراج نتائجها على ارض الواقع، مما يفرض مواجهة سيل الحملات الإعلامية المضادة، والعمل على تجاهلها قدر الإمكان، باعتبارها عنصرا في فقدان الحماسة، بمعنى اخر، فان بعض المجتمعات ليست في وارد احتضان المبادرات التطوعية برحابة صدر، نظرا لاختلاف الثقافات السائدة تجاه تلك المبادرات، بيد ان بروزها على ارض الواقع كعنصر أساسي في الحركة الاجتماعية، يدفع باتجاه دعمها والحرص على رعايتها، لرفدها بعوامل الاستدامة والصمود، في وجه اعاصير الزمن.

اطلاق المبادرات التطوعية على اختلافها، بحاجة الى عناصر قادرة على النهوض بها، والعمل على تحريكها في اركان المجتمع، من خلال التخطيط وبذل المال في سبيل إخراجها، من التخطيط على الورق الى واقع ملموس في المجتمع، فالتمنيات وأحلام اليقظة ليست قادرة على خلق ثقافة تطوعية لدى الفئات الاجتماعية، بقدر ما تتطلب العديد من التحركات، عبر استخدام مختلف الإمكانيات، وتسخير الوسائل الإعلامية، خصوصا وان احداث انقلابات ثقافية لدى بعض الفئات للانخراط في العمل التطوعي، يستدعي وضع برامج قادرة على تغيير القناعات، بحيث تترجم على اشكال متعددة، لاسيما وان العمل التطوعي لا يقتصر على اطار معين، ولكنه بحر واسع قادر على استيعاب الجميع، انطلاقا من مبدأ ”اماطة الأذى من الطريق صدقة“، وبالتالي فان العمل على مساعدة المجتمع، لتجاوز بعض العراقيل يدخل في باب ”الصدقة الجارية“، الامر الذي يساعد في وضع ثقافة التطوع في الاطار السليم.

الحفاوة التي يحظى بها ارباب العمل التطوعي، تعكس الثقافة الاجتماعية السائدة والقائمة، على تقدير واحترام كل عمل خيري، باعتباره احد الأسباب الأساسية لإزالة بعض الصعوبات، التي تواجه البيئة الاجتماعية في مختلف المجالات، فالعملية تتجاوز تقديم المساعدة للفئات المحرومة، ولكنها تشمل كل عمل يرفد العملية التنمية الشاملة، نظرا لأهمية التحرك في جميع الاتجاهات، لما تمثله من عناصر قوة، واحداث تماسك داخلي لمقاومة مختلف أنواع التحديات، على المدى القريب والبعيد.

كاتب صحفي