آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:56 م

العواطف.. العقلانية

محمد أحمد التاروتي *

هل تحكيم العاطفة في كافة القرارات خطأ جسيم؟ وهل العاطفة تقود الى الهلاك؟ وكيف يتم السيطرة على العواطف الكثير من القرارات المصيرية؟ وهل استخدام العاطفة مثلبة ومصيبة كبرى؟.

هذه الأسئلة وغيرها تراود الكثير، فيما يحاول البعض الخلط بين المشاعر العاطفية والقرارات العقلانية، خصوصا وان تحكيم العقل في جميع القرارات يقود الى الجادة السليمة، فيما الاعتماد على العواطف في اتخاذ القرارات يفضي الى ”الخراب“ أحيانا، لاسيما وان هناك فواصل معروفة بين القرارات العقلانية ومثيلاتها العاطفية، الامر الذي يخلق العديد من المشاكل على الصعيد الحياتي، فالمرء الناضج يحرص على الفصل بين المشاعر العاطفية والقرارات المصيرية، نظرا للعواقب المترتبة على الانسياق وراء العاطفة، في الكثير من الممارسات الحياتية المصيرية.

بالإضافة لذلك، فان الانسان محكوم بمجموعة من العواطف، بحيث تؤثر عليه في شبكة العلاقات الإنسانية، مما يفرض اتخاذ بعض القرارات الممزوجة بالعواطف تجاه بعض الأشخاص، وبالتالي فان تحكيم العقل يكون قرارا صعبا للغاية، مما يجبر الانسان على الرضوخ لصوت العاطفة، وإزاحة صوت العقل جانبا، لاسيما وان العاطفة تلعب دورا كبيرا في تحديد مصير العلاقات الإنسانية، فهناك بعض المعالجات ليست قابلة لتحيكم العقل، بقدر ما تتطلب التعامل معها بحالة عاطفية، وبالتالي فان الاستجابة لنداء العاطفة ليست عملية خاطئة على الاطلاق، وانما تفرضها التداعيات الحياتية، نظرا لأهمية تغليب المشاعر العاطفية أحيانا على نداءات العقل، للوصول الى النتائج السريعة فيما يتعلق ببعض المعالجات الحياتية.

معرفة التوقيت المناسب في اختيار نداء العقل، وكذلك الاستجابة لصوت العاطفة، عملية أساسية في عدم الانسياق وراء احدهما على حساب الاخر، فالحكمة تفرض ”وضع الشيء في موضعه“، وبالتالي فان الظهور بمظهر الشديد القوي، في أوقات ”النداءات العاطفية“، والمواقف الإنسانية يجانب الحكمة، ويخلق حالة من العزوف الجماعي، خصوصا وان المحيط القريب يتجاوب مع المشاعر العاطفية في أوقات الضعف البشري، فيما تستدعي الحكمة التعاطي بحزم وقوي في الأوقات الحساسة والعصيبة، نظرا لأهمية الخروج من الازمات باقل الخسائر، وعدم التجاوب مع النداءات العاطفية، باعتبارها نقاط ضعف لا تخدم المصلحة العامة، الامر الذي يفرض الاختيار الحكيم في الأوقات المناسبة، بمعنى اخر، فان محاولة تسخيف المشاعر العاطفية، والصاق التهم الجوفاء بالمعالجات العاطفية، ينم عن قصور في التفكير، وعدم القدرة على إدارة الازمات بالطريقة المناسبة، فيما القرارات العقلانية مطلوبة على الدوام، باعتبارها الفيصل في انهاء الازمات بالطريقة المثالية على الدوام.

استخدام العقل في تحديد المسارات الصائبة عملية مطلوبة على الدوام، فالقرارات الصائبة مرهونة بالدراسة المتأنية، لمختلف الخيارات المطروحة، من خلال ترجيح كفة الارباح والخسائر، وراء انتهاج سياسة القرارات الصعبة، واختيار المعالجات السهلة والعاطفية، وبالتالي فان منطق الربح والخسارة يحدد الطريقة المثلى، والأسلوب المناسب في المعالجات بشكل عام، فاطلاق الاحكام المسبقة وغير الواعية، يكشف حالة من الانفصام الداخلي، لدى بعض الأطراف غير المدركة لحساسة الموقف، مما يستدعي التريث وعدم الاستعجال في وضع الاصبع، على احد الخيارات المطروحة قبل الشروع في مراقبة الوضع عن كثب، والعمل على تحريك ردود الأفعال سواء السلبية والإيجابية، من وراء انتهاج احدى الخيارات المطروحة ”العقلية - العاطفية“.

الوقوف على المعالجات المناسبة للازمات على اختلافها، يعطي انطباعات بعضها سلبي والبعض الاخر ايجابي، نظرا لتفاوت الوعي الاجتماعي لدى مختلف الشرائح الاجتماعية، فالبعض ينظر الى القرارات العاطفية كنوع من الضعف، وعدم القدرة على اتخاذ القرارات الصعبة، فيما البعض الاخر يحاول فهم الأسباب الكامنة وراء اتخاذ الأسلوب العاطفي، من خلال وضع المبررات الداعمة لاتخاذ هذه الطريقة، الامر الذي ينعكس على طريقة التعامل معها هذه النوعية من المعالجات، وبالتالي فان الوعي الاجتماعي يحدد مسار ردود الأفعال، تجاه مختلف القرارات المتخذة تجاه كافة الازمات الاجتماعية.

تبقى الحلول العقلانية وكذلك المشاعر العاطفية، جزءا من الطبيعة البشرية، وبالتالي فان التخلص منها عملية ليست سهلة على الاطلاق، فالقدرة على التحرك في المعالجات مرهونة بالضغوط الاجتماعية السائدة، فالعديد من القرارات تأخذ في اعتبارها الواقع الاجتماعي، ومدى الاستجابة لتلك القرارات، مما يستدعي انتهاج احدى الخيارات المطروحة سواء العقلية او العاطفية.

كاتب صحفي