آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 8:31 ص

الحَبال قديما ”الأصرد والسمنة“

يوسف آل ابريه تصوير: مهدي الصغير

«الصُّرَد» بضم الصاد: طائر فوق العصفور، وقال الأزهري: يصيد العصافير، وقول أبي ذؤيب:

حتى استبانت مع الإصباح رامتها
كأنّه في حواشي ثوبه صُرَدُ

أراد أنه بين حاشيتي ثوبه صرد من خفته وتضاؤله، وقيل: الصرد طائر أبقع ضخم الرأس يكون في الشجر نصفه أبيض، ونصفه أسود، ضخم المنقار له برثن عظيم، نحو القارية في العظم، ويقال له الأخطب؛ لاختلاف لونيه، والصرد لا تراه إلا في شعبة أو شجرة لا يقدر عليه أحد. وقيل: الصرد طائر ضخم الرأس يصطاد العصافير، والجمع؛ صِرْدان، قال حميد الهلالي:

كأنّ وحيَ الصِّرْدَان في جوف ضالةٍ
تَلَهْجَمُ لَحْييه إذا ما تَلَهْجما

أكتفي بهذا القدر من التعريف، علمًا بأن مادة «صرد» لها معان عدّة في القاموس، ومن أراد معرفتها فليراجعها في محلها، لكوني أتيت بما له علاقة بموضوعي لا غير. فموضوعي سيتناول نوعًا من الطيور التي كنا نصطادها في منطقتنا «المنطقة الشرقية» بالمملكة العربية السعودية، وكنا نسميه بالأصرد على وزن «أفعل» ونجمعه على وزن «أفاعل _ أصارد» غير أن الأصرد الذي نعرفه يختلف اختلافًا تامًا عما ورد ذكره في القاموس، فالأصرد الذي نعرفه هو طائر صغير ذو أشكال مختلفة، وكنا نسمّي كل شكل منه باسم معيّن، فهناك أصرد رماني، وأصرد حسيني، وأصرد خياطي، وأصرد قحافي، وأصرد قفاصي، وأصرد دمياني، وأصرد حلوة، وأما الحمّامي فهو من فصيلة الأصارد ولكنه لا يطلق عليه هذا الاسم، وإنما يكتفى باسم الحمّامي. وجميعها ماعدا أصرد حلوه تمتاز بقوّة العض، ولاسيما الدمياني الذي كان من دون الأشكال الأخرى يتوافد بشكل كبير في وقت معين ونطلق على تلك الحالة التي يتجمّع فيها «بطبّة الدمياني» وذلك في نهاية ثمرة التوت وبداية ثمار الكعكع.

والدمياني هو أشد الأصارد عضّا. والأصارد جميعها تصطاد قديما بواسطة «الفخ» ونجمعه في العامية بقولنا: «أفخاخ»، وأما في اللغة العربية فيجمع على «فِخاخ وفُخُوخ» وكلا الجمعين هما للكثرة، وجاء في الحديث: " ومعنا فِخاخٌ تُنصبُ بها».

وقد جاء ذكر الفخ في الشعر العربي كثيرًا، ولعل أبرز شاهد نأتي به هو لشاعر نُسب مرة للقطيف، ومرة أخرى للبحرين، وهو الشاعر الجاهلي «طرفة بن العبد» الذب ذهب للصيد حاملاً معه فخّه الذي نصبه لصيد طير القبّرة ولكنه لم يظفر منها بواحدة، فاستسلم ورفع فخّه، وقال أبياته الشهيرة:

يا لكِ من قُبّرةٍ بِمَعْمَرِ
خلا لكِ الجوّ فبيضي واصفري

قد رُفِع الفخُ فماذا تحذري
ونقّري ما شئتِ أن تنقّري

قد ذهب الصيِاد عنكِ فابشري
لابدّ يومًا أن تُصادي فاصبري

وللفخ مكونات هي:

* الحنيّة، وهي من الحديد في الغالب.

* الطارة، وتكون من عود الرمان أو الخيزران وتكون على شكل الحنيّة وحجمها.

* الطَّلَقْ، وهو العمود الفقري للفخ، وهو قطعة خشبية مستطيلة.

* الوتر، ويؤخذ من الإطار الداخلي المطاطي الذي بداخل العجلات والذي يسمى «التيوب»

* المفكاز، وهو قطعة خشبية صغيرة تمسك الخرزة

* المرارة.

والفخ عبارة عن قطعة هلالية الشكل.

ويطلق على الحالة للصيد عند أهل سنابس، وبعض قرى القطيف «بالحبال» ويقولون: «نِحْبِلْ» والحبال في اللغة العربية هو الصيد، والحِبالة: التي يصاد بها، وجمعها: حبائل، ومفردها حِبالة بالكسر، وهي ما يصاد بها من أي شئ كان، والحابل: الذي ينصب الحِبالة للصيد، والمحبول: الذي نصبت له الحِبالة وإن لم يقع فيها، والحِبالة: المصيدة مما كانت.

والبعض الآخر يطلق على الحالة بقوله: «نِنْصبْ» وهي الأخرى عربية صحيحة.

وأما الطعم الذي يوضع في الفخ قديما لصيد الأصارد فهو «العنقوش» وهو كائن أرضي «دودة»، وكذلك الدبّة وهي أنثى العنقوش، وأبو ذنب، والصرصور «الزهيوي» والعتل، ويسمّى الطعم في الفخ بالزندة، وعند صيد الأصرد نعمد إلى تخزيمه أي ربط فمه بريشة من جسمه كالجناح أو الذيل وذاك تجنبًا من عضّه.

والغريب أن الأصارد بجميع أشكالها لا تؤكل عندنا كالمدقي والفقاقة والحطيبي ولا أدري ما السبب في عدم أكلها؟ أهو عرف أم هناك دليل على أنه حرام؟

ففي القاموس وأنا أقرأ تعريف معاني «صرد» مرّ بي هذا الحديث: نهي المحرم عن قتل الصرد، وفي حديث آخر: نهى النبي ﷺ عن قتل أربع: النملة، والنحلة، والصرد، والهدهد.

فهل هذا له ربط بما نطلق عليه اسم الأصرد؟

الله أعلم.

طائر السّمّنة

جاء في لسان العرب: السمانى طائر واحدته سماناة، وقد يكون السمانى واحدًا، ولا تقل سمانى بالتشديد، قال الشاعر:

نفسي تمقس من سمانى الأقبر

وجاء في معجم المعاني

السُّمّنة: طائر من فصيلة الشحروريات جميل الشكل، يصاد لِلحمه اللذيذ.

لعل تعريف معجم المعاني هو الأقرب للطائر الذي عرفناه وعاش في بيئتنا، غير أننا كنا نلفظه بعاميتنا «السِّمِّنه» بتشديد السين والميم وكسرهما، ونجمعه على «سِمّن».

وتعد السّمّنة من الطيور الجميلة، والمرغوبة عند الحبّالين؛ لذا يسعون في صيدها.

والسّمّن أنواع ستة، وهذه الأنواع يعرفها الحبّالون الماهرون ويميزونها، وهي:

* سمّن شرايص، ولونه أقرب إلى البني وهي منقّطة.

* سمّن اجدوع، ولونه قريب من لون جذع النخلة.

* سمّن دبر، وهي حمراء ورأسها وظهرها أزرق،

* سمّن اغراب، ولونه أزرق.

* سمّن سلو أو سلوق ولونه أسود مائل للزرقة.

* سمّن نخيل، وهي تشابه سعف النخلة اليابسة تقريبا، وهي نادرة جدًا.

وجميعها تصاد بالفخ حالها كحال الأصارد، وتأكل نفس الديدان التي يأكلها الأصرد، ما عدا سمّن سلو أو سلوق، فيصاد بالشبك أو القرقور وهو على النخل.