آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

اختلال الموازين

محمد أحمد التاروتي *

فقدان البوصلة يؤدي الى السير في جميع الاتجاهات على غير هدى، فتارة تكون الوجهة نحو اقصى الشمال، وتارة تصبح الجهة نحو اقصى اليمين، مما يعكس حالة التخبط وعدم الاستقرار في المواقف الحياتية، نظرا للافتقار للقدرة على تلمس الطريق السليم، الامر الذي يدخل المرء في متاهات مظلمة يصعب الخروج منها بسهولة، وبالتالي فان اختلال الموازين يدفع باتجاه الاختيار الخاطئ، وأحيانا يؤدي للدخول في معارك خاسرة.

احتساب الخطوات بدقة يشكل عنصر حاسم، في تفادي التخبط في المسارات الحياتية، فالمرء الذي يضع اقدامه في الرمال المتحركة يغرق، ويفقد السيطرة على الوقوف، فضلا عن إمكانية الخروج بدون خسائر كبرى، وبالتالي فان المعرفة المسبقة للخطوات تنم عن وعي كبير، وقدرة على إدارة المعارك الحياتية باحترافية عالية، خصوصا وان الارتجالية والعشوائية في الاعمال، احدى الأسباب وراء الوقوع في الافخاخ القاتلة، مما يستدعي إيجاد القنوات اللازمة لتفادي الهزيمة في معركة الحياة.

القدرة على السير بتوازن في مختلف المجالات الحياتية، ليست متاحة للجميع باعتبارها مهمة طويلة وشاقة في العادة، الامر الذي يفسر بروز بعض الرجالات في مجالات حياتية، واخفاق البعض الاخر في الإمساك بالعصا من الوسط، فالناجحون يمتلكون القدرة على احداث التوازن في جميع القرارات، وعدم انتهاج الارتجالية في القضايا الحياتية، الامر الذي يتمثل في تفادي الأخطاء او تقليلها قدر الإمكان، بهدف الخروج باقل الخسائر وتحقيق الانتصار في كافة التحديات الحياتية، فيما الفاشلون يمارسون ”العشوائية“ في القرارات ويعتمدون على ردات الفعل، دون وضع الخطط الاستباقية لتفادي المفاجآت، الامر الذي يتمثل في الوقوع في الشباك الحياتية، والخروج من المعركة بخسائر فادحة وغير محتملة في الغالب.

اختلال التوازن لا يمكن تأطيره في بعض الممارسات، او مجموعة القرارات الحياتية، فالتوازن مطلوب على الدوام، خصوصا وان الخروج عن سكة التوازن يفضي للاصطدام بمطبات غير متوقعة على الاطلاق، مما يولد حالة من الذهول وعدم القدرة على تحمل الصدمة، بمعنى اخر، فان المعارك الحياتية الدائمة تستدعي إيجاد الخط الواضح في كافة القرارات على اختلافها، سواء كانت على الصعيد الشخصي او الاطار الاجتماعي، فالتوازن قادر على وضع الأمور في الاتجاه السليم، بعيدا عن الافراط والتفريط.

وجود الوعي بأهمية التمسك بالتوازن، خطوة أساسية في البناء المهنجي والحياتي للفرد، فالمرء الواعي يحاول ترجمة المفاهيم المختلفة على الصعيد العملي، الامر الذي يتجلى في السلوك الخارجي، فضلا عن التحركات الاجتماعية، وبالتالي فان عامل الوعي قادر على تحريك المناطق الباردة في العقل، بحيث تبرز على اشكال مختلفة، سواء على المحيط القريب او الواسع، مما ينعكس على تجاوز العديد من الأخطاء الكارثية، التي تسهم في ادخال المرء في دوامة التخبط، وعدم القدرة على رؤية المسالك الصحيحة في مختلف المجالات الحياتية.

امتلاك التجربة الحياتية والاستفادة من التجارب الأخرى، عناصر داعمة لتكريس التوازن في اتخاذ القرارات الحياتية، ”في التجارب علم مستحدث“ و”السعيد من اتعظ بتجارب غيره“، وبالتالي فان السلوك الفردي في الحياة مرهون أحيانا بالمحيط الاجتماعي، سواء من خلال اكتساب بعض المفاهيم الثقافية، او تعلم العديد من التجارب الحياتية، الامر الذي يثري المسار التوازي لدى الفئات القدرة على اكتساب تلك التجارب، لتفادي الوقوع في الأخطاء ذاتها، خصوصا وان التجارب الحياتية قادرة اختصار الكثير من المسافات، مما يسهم في اكتشاف العديد من المسارات الخاطئة، والعمل على تجنبها للحيلولة دون التلوث، بالامراض الخطيرة على السلوك الحياتي.

التوازن لعبة دقيقة ومنهجية حياتية أساسية، فالفشل في التعامل مع التوازن يمثل بداية الانحدار نحو الهاوية، مما يستدعي التحرك وفق معطيات واضحة، لتفادي الانزلاق في منحدر الخسارة، في مواجهة التحديات الحياتية على اختلافها، وبالتالي فان اختلال التوازن يخلق مشكلة حقيقية على الصعيد الفردي، فالمرء بما يمتلك من قدرات قادر على تحديد المسارات الصحيحة، للخروج من الامتحانات الحياتية بنتائج إيجابية، سواء على الاطار الشخصي او الصعيد الاجتماعي.

كاتب صحفي