آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 4:10 م

عقد الصداقة

محمد أحمد التاروتي *

رباط الصداقة الوثقية يصعب قطعه او التحلل منه، بالرغم من التحولات الزمنية، والتغيرات الاقتصادية، والتطورات الاجتماعية، باعتبارها رابطة صادقة قائمة على مشتركات ومبادئ جامعة، مما يسهم في تعميقها وتوثيقها مع مرور الزمن، نظرا لقدرة كافة الأطراف على التفاعل مع الصعاب، والعمل على إزالة العراقيل المؤقتة، الامر الذي يقود لحالة من الترابط، والتوافق في احلك الظروف واصعب المواقف، وبالتالي فان حرص كافة الأطراف على إبقاء حبل الصداقة قائما، يمثل السر الخفي في ديمومة الصداقة على السنوات.

الصداقة الصادقة ليست قابلة للبيع والشراء، باعتبارها علاقات وثيقة يصعب ترجمتها بالمفاهيم المادية، مما يجعلها عصية على الفهم لدى بعض أصحاب ”المواقف الانتهازية“، خصوصا وان وثاق الصداقة يدفع بالتضحية، في سبيل إبقاء جدوة تلك العلاقة مشعلة، مع تقادم السنوات، فهناك الكثير من المواقف الصادقة التي كشفت المعادن الاصيلة، للعديد من الصداقات على مر التاريخ، فيما توجد مصاديق عملية في الاستغلال وعدم الوفاء، نظرا لاختلاف النظرة في التعاطي مع رباط الصداقة، فالثقافة القائمة على المصالح الانية، تدفع باتجاه التخلي عن الصديق في المواقف الصعبة، وأحيانا مع ابسط الامتحانات الحياتية، فيما الصداقة القائمة على تقاسم الهموم والوقوف في وجه تيارات الحياة العاصفة، فانها اقدر على الصمود والثبات في مختلف الامتحانات الصعبة، ”صديقك من صدقك“، وبالتالي فان التجارب الفاشلة في الصداقة، ليست مدعاة لوضع النظارة السوداء، فيما يتعلق بالنظرة لهذه العلاقة الإنسانية.

المبادئ الأخلاقية تلعب دورا محوريا، في تعزيز رابطة الصداقة، فالاخلاق تمثل المعيار الحقيقي في اتخاذ المواقف الصادقة، في جميع الظروف سواء كانت في أوقات الرخاء او الشدة، لاسيما وان المحركات الأخلاقية تمنع الاقدام على ممارسات استغلالية، او العمل على توجه الصفعات او الطعن في الظهر، مما يجعل الصداقة واضحة وقائمة على أسس متينة على الدوام، الامر الذي يجعل الصداقة اكثر قدرة على الصمود، والرسوخ لدى جميع الأطراف، بمعنى اخر، فان التعامل الأخلاقي يبني جسرا قائما على أعمدة راسخة، نظرا لوجود مشتركات عديدة، وليست قائمة على النظرة المصلحية المؤقتة.

وجود محركات أخلاقية لدى اطراف الصداقة، يساعد في استبعاد المخاوف من النفوس، ويطرد الوسواس الشيطانية، لاسيما وان عمليات التخريب لا تقتصر على الاطار النفسي والذاتي، وانما تشمل كافة الاعمال الساعية لقطع رباط الصداقة، فتارة من خلال محاولة البعض تضخيم بعض الممارسات، والعمل ادخال الوقيعة، لاسقاط تلك الصداقة القوية ”النميمة“، وتارة بواسطة بعض المخاوف غير المبررة التي تفتعلها بعض الأطراف، بهدف إيجاد شرخا عميقا في جدار الثقة بين اطراف الصداقة، وبالتالي فان تجاهل تلك الممارسات التخريبية يساعد في تكريس رباط الصداقة، ويدفع باتجاه تعزيزه على الواقع الحياتي.

الصداقة تتجاوز في أحيان كثيرة الاطار الشخصي، بحيث تشمل دائرتها الاطار الاجتماعي الواسع، فالوفاء والوقفة الصادقة، من المبادئ الأخلاقية المطلوبة على الاطار الاجتماعي، باعتبارها ثقافة قادرة على بث روح التعاون، والتعاضد في النفوس، وبالتالي فان مفاهيم الصداقة قادرة على التوسع في الثقافة الاجتماعية، بما تمثله من قيم أخلاقية صادقة، وقدرة على تجاوز الذات والذوبان في الاخر، فالصداقة لا تعني التنازل عن الاهتمام الشخصية، ولكنها لا تستدعي تجاهل النداءات الأخلاقية، الداعية للوقوف مع الصديق في أوقات الشدة، والعمل على تقديم المساعدة، والتحرك باتجاه تمهيد الطريق امام عبور الجميع من الازمات، والوصول الى شاطئ الأمان.

حبل الصداقة قادر على الصمود، مع إصرار كافة الأطراف على الحفاظ عليه، خصوصا وان المغريات وأحيانا اختلاف المصالح تلعب دورا فاعلا في قطع ”حبل الصداقة“، من خلال بعض التصرفات غير المبررة والمفاجئة، مما يحدث صدمة كبرى في النفوس، بحيث تنعكس على انفراط عقد الصداقة، والدخول في مرحلة ”الفتور“، قبل الولوج في حقبة التباعد، والقطيعة التامة.

كاتب صحفي