آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

البواطن.. الظواهر

محمد أحمد التاروتي *

المظاهر الخادعة مشكلة حقيقية في العلاقات الإنسانية، فالمساحيق التي تغطي الوجوه سرعان ما تذوب بمجرد الاحتكاك المباشر، مما يعري البعض من ورقة التوت التي تواري ”سوءته“، لاسيما وان البعض يحاول إخفاء الكثير من النواقص، باستخدام بعض الممارسات التمثيلية، انطلاقا من الادارك الكامل بافتقاره، للعناصر الأساسية الداعمة، للانسجام بين الظاهر والباطن.

التصنع في السلوك الخارجي عملية خطيرة، وليست قابلة للاستخدام على الدوام، لاسيما وان السلوك المصطنع سرعان ما ينكشف في الامتحانات الحياتية، انطلاقا من قاعدة ”الطبع غلب التطبع“، وبالتالي فان محاولات رسم صورة جميلة، عبر انتهاج ممارسات ”طيبة“، ستصطدم بالواقع على الأرض من جانب، وعدم القدرة على الصمود من جانب اخر، نظرا للافتقار للارضية القادرة على تحمل هذه السلوكيات، خصوصا وان الباطن يتناقض تماما مع الصورة الظاهرية، مما يحدث حالة من الصراع الخفي، سرعان ما يترجم على الصعيد الخارجي، من خلال العودة الى الصورة الحقيقية، والتخلي عن المظاهر الكذابة، التي يحاول فرضها على المحيط القريب.

الصراع الداخلي والقائم على اظهار المكنون، وعدم القدرة على كبت الممارسات الحقيقية، يمثل احد الأسباب وراء كشف زيف الكثير من المظاهر الخادعة، فيما يتعلق بالعلاقات الإنسانية على الصعيد الاجتماعي، لاسيما وان الصراع الخفي يفضي لانتصار احد الأطراف في نهاية المطاف، بيد ان السلوك الشرير يمثل الوجه الحقيقي، وبالتالي فانه يفرض سيطرته على الممارسات الخارجية، الامر الذي يفسر الانقلابات المفاجئة لدى البعض بين ليلة وضحاها، بحيث تنحرف هذه الفئة بشكل كامل، مما يحدث صدمة كبرى لدى المحيط القريب، بحيث تخالف الصورة الجميلة، التي عمل على تكريسها في الوجدان الاجتماعية.

الحذر يمثل السبيل الأمثل لتفادي الوقوع في فخ ”المظاهر الخادعة“، فالمرء مطالب بانتهاج الحيطة في العلاقات مع الاخرين، خصوصا وان كشف الأوراق بدون وعي يخلق العديد من المشاكل، مما يستوجب التعامل بوعي كامل مع بعض الأطراف التي تحاول ابراز الوجه الجميل في سبيل إخفاء البواطن عن الاخر، سواء لأغراض شخصية للوصول الى بعض الغايات، او لمحاولة طمس الجانب المظلم في تلك الشخصيات، وبالتالي فان العمل على التعاطي بحذر يحمي النفس من الوقوع، في شباك هذه النوعية من البشر، خصوصا وانها تعمل لايقاع بالاطراف الأخرى، والعمل التسلق بطريقة غير مشروعة، وتحقيق بعض المكاسب بدون وجه حق.

التعرف على بواطن الاخرين عملية صعبة، بيد ان التواصل يمثل احد الطرف لاكتشاف المعادن الاصيلة من الزائفة، فالمرء الذي يحاول إخفاء الباطن عن الاخرين، سيقع في المصيدة مهما طال الزمن، ”مَا أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيْئاً إِلاَّ ظَهَرَ فِي فَلَتَاتِ لِسَانِهِ، وَصَفَحَاتِ وَجْهِهِ“، وبالتالي فان التحركات الهادفة للتواري خلف المظاهر الخادعة مصيرها الفشل، خصوصا وان الاختبارات الحياتية تفضح الكثير من الممارسات المصطنعة، التي يسعى البعض لتمريرها في البيئة الاجتماعية، الامر الذي يساعد في اكتشاف هذه العناصر، مما يمهد الطريق للتعاطي معها بطريقة مناسبة، لتفادي المخاطر الناجمة عنها.

اللجوء الى المظاهر الخادعة ينم عن خبث وسوء سريرة، فالنفوس النظيفة تترجم القيم التي تحملها على الواقع الخارجي، من خلال اعتماد منهجية الانسجام الكامل بين الظاهر والباطن وعدم اعتماد المظاهر لتمرير بعض الممارسات، والتحرك بطرق ملتوية للحصول على المكاسب، وبالتالي فان النفوس المريضة تحاول إخفاء الامراض الداخلية، عبر انتهاج سياسات خادعة لتحقيق مآرب خاصة، خصوصا وان السلوكيات السيئة تعرقل خططها للاستحواذ على القلوب، وتمنع عملية الوصول الى الأهداف المرسومة، مما يفرض اتخاذ خطوات معاكسة للقناعات الذاتية، لاصحاب النفوس المريضة.

بكلمة فان المظاهر الخادعة مرض اجتماعي يصيب بعض الفئات، التي تعاني من اختلالات واضحة في الانسجام التام بين الباطن والظاهر، مما يدفعها لمحاولة تغطية الامراض الذاتية، باستخدام المساحيق لتجميل الصورة في البيئة الاجتماعية، بهدف طمس الحقيقة عن الشريحة الكبرى من المجتمع، بيد ان النجاح في إخفاء تلك الحقائق عملية ليست مضمونة، نظرا لوجود تحديات قادرة على اظهار المكنون، واخراج الصورة الحقيقية على الملأ، مما يسهم في فضح هذه الشريحة ويمنعها من تحقيق غاياتها الخاصة.

كاتب صحفي