آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 6:17 م

”دلتا“ العقول

محمد أحمد التاروتي *

الفيروسات المدمرة التي تغزو العقول، اشد فتكا من فيروس دلتا الذي يجتاح العالم حاليا، فالفيروس المتحور قادر على غزو الجسم، والانتقال بين البشر بسرعة فائقة، ولكنه يبقى من الامراض القابلة للشفاء، مع الجهود الكبيرة المبذولة للسيطرة عليه، فيما فيروسات العقول اكثر خطورة، واشد تدميرا على البشرية، جراء الاثار الكارثية التي تنتج عن غزو تلك الفيروسات العقول البشرية، بحيث تتجاوز الإطار الزمني الحالي، لتمتد الى الاجيال القادمة، واحيانا تستمر لعقود طويلة.

قدرة فيروسات العقول على التخريب تتجاوز الخيال، خصوصا وان خراب العقول يقود الى تدمير البيئات الاجتماعية، ويلعب دورا اساسيا في احداث انحرافات كبرى في المسيرة الثقافية، جراء بث مفاهيم ومعتقدات خاطئة في العقل الجمعي، بحيث يتجلى في التحول نحو قناعات شاذة وغير سليمة، الامر الذي يجعل تلك المعتقدات ممارسة يومية، لدى مختلف الشرائح الاجتماعية.

غزو الفيروسات للعقول عملية تدريجية، حيث تبدأ التحولات الخاطئة في التسلل الى الثقافة تحت مسميات عديدة، وبعضها يأخذ طابع التجديد، والتحرك باتجاه نفض غبار الماضي، والسعي نحو خلق واقع جديد لمسايرة التطور، والعمل على مواكبة الواقع الحالي، مما يمهد الطريق لدخول الفيروسات الخطيرة في العقول، وتعطيل بعض المفاهيم السليمة، والعمل استبدالها بأخرى اكثر خطورة، على المدى المتوسط والبعيد.

احداث الانبهار والعمل على تجميل الافكار الخاطئة، احدى الأساليب الخادعة لتقبل الفيروسات الخطيرة، ”هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى? شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى?“، وبالتالي فان عملية غزو العقول تتطلب استخدام الأساليب الكاذبة عبر ”دس السم بالعسل“، الامر الذي يسهم في سقوط بعض العقول، في فخ تلك الأساليب الخادعة، خصوصا وان الصورة الخادعة تعمي بعض العقول عن رؤية الحقائق، مما يقود لدخول الفيروسات القاتلة في تلك العقول، بمعنى اخر، فان التحرك الناجم عن الانبهار، وعدم رؤية الطريق بشكل سليم، يؤدي الى إصابة بعض العقول بالعطب، والتحول من الاتجاه الإصلاحي الى الناحية التدميرية، جراء تبني بعض المفاهيم الفاسدة التي تحدث خللا في المنظومة الفكرية، وتخلق العديد من المشاكل على الصعيد الفردي أولا، والاطار الاجتماعي ثانيا.

إيجاد الامصال المناسبة للقضاء على الفيروسات العقلية، تتطلب الكثير من المراجعة الذاتية، والعمل على إعادة برمجة الأولويات على الصعيد الفكري، خصوصا وان الخواء الثقافي يساعد في غزو الفيروسات القاتلة، نظرا لعدم وجود موانع معنوية قادرة على مقاومة تلك الفيروسات، وبالتالي فان عملية المعالجة مرتبطة بالكيان الذاتي أولا، وبالواقع الاجتماعي السائد ثانيا، لاسيما وان المضادات الحيوية لمقاومة الفيروسات تكون أحيانا سببا، في انقاذ العقول من الوقوع فريسة سهلة، الامر الذي يحمي العقول من الدخول في لعبة التدميري الذاتي، والاجتماعي، بينما يشجع الواقع الاجتماعي القائم بعض العقول على التحرك بالاتجاه الاخر، من خلال طرد الفيروسات الخبيثة من العقول، انطلاقا من مبدأ ”المناصحة الصادقة“، الامر الذي يعطي بعض النتائج الإيجابية في الغالب.

مواجهة الفيروسات العقلية على الصعيد الاجتماعي، عملية أساسية لتطويق الاثار التدميرية، الناجمة عن بث بعض القناعات، والسلوكيات الشاذة، لاسيما وان التغاضي يساعد في تمدد تلك المفاهيم في اللاوعي الاجتماعي، مما يهدد الثقافة الاجتماعية عبر ادخال بعض الأمور الطارئة، والخاطئة في السلوك اليومي، الامر الذي يحدث حالة من الضياع الاجتماعي، والتخبط على الاطار الشخصي، وبالتالي فان المواجهة المباشرة تكون أحيانا صائبة وسليمة، ولكنها غير قادرة على اجتثاث تلك السلوكيات بشكل جذري، نظرا لتعاملها مع الظواهر دون المعالجات الجذرية، مما يهني ان المواجهة غير المباشرة تمثل أحيانا، وسيلة للتعاطي بواقعية مع الفيروسات العقلية، من خلال إيجاد البدائل القادرة على القضاء على تلك الفيروسات، وإخراجها من العقل الجمعي، الامر الذي يساعد في فتح الطريق امام الاستقرار الثقافي الاجتماعي، والعودة الى حضن الفكر المسؤول والفاعل.

كاتب صحفي