آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 6:17 م

تشابك المصالح

محمد أحمد التاروتي *

الحفاظ على المصالح حق مشروع للجميع، فالانسان مطالب بالسعي وراء مصالحه، بشرط عدم الاضرار بالاخرين، لاسيما وان المصالح تحفز المرء على التحرك في جميع الاتجاهات، مما يسهم في احداث قفزات نوعية في مختلف المجالات، انطلاقا من قاعدة ”الحاجة ام الاختراع“، فالانسان الساعي وراء تحقيق مصالحه الخاصة، يعمل على توظيف قدراته وكفاءته، في سبيل الوصول الى تلك المصالح، من خلال استخدام الوسائل المشروعة، والاستفادة من المحيط القريب في الوصول الى تلك المصالح.

عملية تحقيق المصالح تستدعي البحث عن الأدوات المناسبة، فالتخطيط المدروس واتباع الطرق المثالية، وكذلك اختيار التوقيت المناسب، عناصر أساسية في تحقيق المصالح الخاصة، وتسريع عملية الوصول اليها، لاسيما وان التخبط والقفز على الخطوات الطبيعية، يولد الحسرة والخيبة في الغالب، مما يستدعي احتساب الخطوات بدقة متناهية، لتفادي الوقوع في المحظور والتعرض لانتكاسة كبرى، مما ينعكس على المسيرة الحياتية بشكل عام.

تشابك المصالح امر مألوف وغير مستغرب، فهناك الكثير من الصراعات القائمة بين البشر، لمحاولة الاستحواذ على الكعكة، وعدم السماح بتقاسم مع الاخرين، مما يسهم في اثارة الخلافات واشتعال الحروب الكلامية، جراء عدم اتقان البعض لعملية توظيف المصالح بالجانب الإيجابي، حيث تتحرك هذه الشريحة باتجاه التصادم المباشر، بمجرد الشعور بوجود منافسة من الاخرين، مما يدفع لتحريك العقول الشريرة في سبيل اقصاء الاخرين، وعدم السماح باقتطاع جزء يسير من كعكة المصالح الخاصة، بمعنى اخر، فان التوظيف السليم للحفاظ على المصالح، يفضي لحالة من الاستقرار الاجتماعي، وكذلك الوئام الداخلي لدى مختلف الشرائح الاجتماعية، نظرا لوجود قناعات بضرورة البحث عن أسباب التلاقي، والابتعاد عن مسببات التصادم المباشر، واستبعاد تكريس الخلافات.

البحث عن عوامل الالتقاء في صراع المصالح، يساعد في استبعاد جميع الخيارات التصادمية، وترجيح العناصر الداعمة، لابقاء صراع المصالح ضمن اختلاف وجهات النظر، واستبعاد النوايا السيئة، التي تحدث حالة من الهيجان تجاه الأطراف الأخرى، وبالتالي فان العمل على تحريك العنصر الإيجابي في الحفاظ على المصالح، يساعد في تجاوز ردود الأفعال السلبية، وترجيح المساعي الداعية، لوضع تلك الصراعات ضمن السياق الطبيعي، في المساعي البشرية في تحقيق المصالح الخاصة، خصوصا وان الحرص على النجاح والحفاظ على المكاسب، يدفع باتجاه السعي الدائم للمنافسة مع الاخرين، في سبيل الوصول الى القمة، من خلال استخدام مختلف الأدوات اللازمة، لتكريس عوامل النجاح على الأرض.

اخراج صراع المصالح الى الإعلان، بمثابة انعطافة سلبية ونقطة سوداء، باتجاه اشعال الحروب الكلامية، فهذه الخطوة تنم عن نوايا سيئة لدى احد الأطراف أحيانا، وأحيانا تكشف عمق الصراع وصعوبة ابقائه في الغرف المغلقة، مما يعطي إشارات سلبية بدخول صراع المصالح، في مرحلة جديدة شعارها ”البقاء للاقوى“، بحيث تبرز على اشكال متعددة، ولعل ابرزها الدخول في النوايا والعمل على شيطنة الاخر، عبر اطلاق الحروب الكلامية، من اجل الحصول على المبررات والتعاطف في معركة المصالح، خصوصا وان الحفاظ على المصالح ليس مبررا في اشعال الحروب الكلامية تجاه الاخر، نظرا لامتلاك كافة الأطراف المبررات المشروعة، للحفاظ على المكاسب، والعمل على مواجهة كافة التحركات الساعية، للانقضاض على تلك المصالح والعمل على سلبها.

المصالح ليست محصورة في مكاسب مالية او نفوذ اجتماعية، فهي تتوزع لدى الافراد تبعا للوضع الاجتماعي، وكذلك لنوعية الأنشطة الممارسة، مما يدفع لمحاولة الدفاع عن تلك المصالح بشتى الوسائل، بهدف تكريس المكاسب على الاطار الشخصي أحيانا، وعلى الواقع الاجتماعي أحيانا أخرى، وبالتالي فان تشابك المصالح يتجاوز بعض المفاهيم او التصورات المحدودة، لتدخل في صميم الممارسة اليومية لدى الافراد، فهذا الصراع قائم ومستمرة مع ديمومة المصالح الحياتية، وكذلك مع استمرارية البحث عن النفوذ الاجتماعي في مختلف المجالات.

كاتب صحفي