آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:08 ص

تخدير العقول

محمد أحمد التاروتي *

يمارس البعض تخدير العقول عبر بث ثقافة خاطئة، من خلال استغلال انخفاض الوعي، والاستفادة من القناعات الفكرية، لدى بعض الفئات الاجتماعية، مما يدفع لتوجه بعض الشرائح باتجاه ممارسات ”شاذة“، وأحيانا غير مألوفة، ولا تنسجم مع التفكير العقلاني، الامر الذي يعطي إشارات سلبية وغير مشجعة، لطبيعة الأهداف المرسومة لتوجيه تلك الشرائح الاجتماعية، في المرحلة القادمة.

تأطير بعض الأفكار الشاذة بطابع مقدس، احد الأساليب المستخدمة في عملية السيطرة على العقول الاجتماعية، فهناك فئات اجتماعية لا تمانع في تسليم عقولها طواعية لبعض الأطراف الشيطانية، انطلاقا من الايمان الكامل بقدسية تلك الأفكار، الامر الذي يساعد في انتشار هذه القناعات في البيئة الاجتماعية، بطريقة غير مفهومة، او أحيانا تتجه تلك الأفكار طريقا معاكسا للتيار العقلاني السائد، مما يخلق حالة من الصراع الداخلي، بين الايمان بتلك القناعات الشاذة، والتفكير العقلاني الداعي للتريث، وعدم الانخراط في تلك اللعبة ”الشيطانية“، بيد ان تعطيل العقول يلعب دورا أساسيا، في الانسياق وراء تلك الأفكار الشاذة، وغير المنطقية.

استغلال الضعف البشري، بالاضافة لمحاولة الاستفادة من بعض ”المفاهيم“ الخاطئة السائدة، لدى بعض الفئات الاجتماعية، عملية مألوفة ومشاعة في مما رسة تخدير العقول، وتوجهيها باتجاهات قاتلة، نظرا لخطورة انتشار الأفكار الشاذة في البيئة الاجتماعية، فهذه الممارسات تدفع باتجاه تخريب الثقافة السليمة، وتتحرك باتجاه نخر التفكير العقلاني، واستبداله ببعض الأمور التفاهة، وغير الصحيحة، الامر الذي يتمثل في العديد من الممارسات الشاذة، التي تظهر بين فترة وأخرى، جراء انتشار بعض الثقافات الظلامية في التفكير الاجتماعي، مما يعطي انطباعات خاطئة بخصوص طبيعة الثقافة السائدة في العقل الجمعي.

يتجلى تخدير العقول في بعض الاعمال الصغيرة، وأحيانا يظهر في بعض التصرفات الغريبة، فالعملية لا تختلف بالنسبة لخطورة تسليم العقول للاخرين، نظرا لخطورة الانسياق وراء تلك التصرفات الشاذة، وبالتالي فان السير طواعية وراء تلك الأفكار الخاطئة، يكون أحيانا على الاطار الشخصي، وأحيانا تتحول تلك الأفكار الى ممارسة جمعية، بمعنى اخر، فان تعطيل العقول في الأمور الصغيرة، يعود بالضرر على الانسان، وكذلك فان إيقاف التفكير العقلاني على الاطار الاجتماعي، يجلب معه الكثير من الويلات، والمزيد من المعاناة، مما يعني الدخول في المناطق الخطرة، والسير باتجاه حقول الألغام المزروعة في طريق التفكير الاجتماعي.

وجود بيئة حاضنة لاستقبال الأفكار الشاذة، والممارسات الخاطئة، عنصر أساسي في تحريك الأطراف الشيطانية، لبث تلك القناعات في المجتمع، فهذه العناصر لديها الاستعداد للاستجابة السريعة، الامر الذي يفسر انتشار تلك الأفكار في بعض المجتمعات كانتشار النار في الهشيم، اذ سرعان ما تتحول تلك الأفكار الشاذة الى قناعات راسخة في العقل الجمعي، نتيجة الافتقار للتفكير القادرة على مواجهة تلك الأفكار الخاطئة من جانب، وتحرك الأطراف الشيطانية على تعطيل العقول عن التفكير بالطريقة السليمة من جانب اخر، مما يسهم في هيمنة الممارسات الشاذة على التفكير الاجتماعي.

عملية طرد الأفكار الشاذة من التفكير الاجتماعي، تواجه في الغالب بردود أفعال عنيفة، نظرا لتحول تلك الأفكار الى جزء أساسي الثقافة الاجتماعية، مما يجعل عملية اقتلاع تلك الأفكار غاية في الصعوبة، خصوصا وانها باتت جزءا من اللاوعي في العقل الجمعي، ”قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ“، وبالتالي فان التحرك لوقف انتشار تلك الأفكار الضالة، يتطلب بعض التضحيات على الصعيد الاجتماعي، وأحيانا التضحيات الجسدية، جراء وجود جدار سميك من ردود الأفعال العنيفة.

تخدير العقول لعبة شيطانية تمارسها بعض الأطراف، الساعية للسيطرة على العقل الجمعي، من خلال بث أفكار ذات طبيعية تخديرية بالدرجة الأولى، حيث تعمد لتسويق تلك الأفكار بقالب ”ايماني“، لممارسة الخداع على بعض الشرائح الاجتماعي، لاسيما وان طرح تلك القناعات بدون قوالب دينية، يحول دون قدرتها على اختراق التفكير الاجتماعي، ويمنع الوصول الى الأهداف المرسومة.

كاتب صحفي