آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 5:35 م

نشر الفوضى

محمد أحمد التاروتي *

قديما قالوا ”اذا جيت رايح كثر الفضايح“، فالمثل يُضرب لانعدام المستوى الأخلاقي أحيانا، ومحاولة احداث فوضى عارمة أحيانا اخرى، لاسيما ان الانسحاب بهدوء لا يروق للبعض، مما يدفع للبحث عن وسائل غير أخلاقية، لاحداث ضجيج لعملية الانسحاب من الساحة، فتارة من خلال الايعاز لاحد الأطراف بافتعال الفوضى العارمة في البيئة الاجتماعية، وتارة أخرى بواسطة إعطاء إشارات خضراء لمختلف الأطراف، بإمكانية التصرف دون رقيب، الامر الذي يدخل الجميع في حالة من الفوضى والاحتراب الداخلي.

العمل على تخريب الاستقرار الاجتماعي، عملية ممنهجة في الغالب، فالانسحاب من الساحة دون ضجيج، يمثل انتكاسة كبرى لبعض الأطراف الفاعلة، مما يدفعها لمحاولة التخطيط المسبق، لادخال الجميع في فوضى عارمة، كرسالة واضحة بعدم السماح للساحة الاجتماعية، بتحديد خياراتها والتخطيط المستقبلي، لاسيما وان الهدوء يفتح جميع الأبواب امام عملية البناء والتطور، فيما الفوضى تعيد عقارب الساعة للوراء، واحداث حالة من عدم الاستقرار النفسي، مما ينعكس على تعطيل عجلة التقدم وانعدام الرخاء، وبالتالي فان عمليات الضغط الممارسة لتخريب الساحة الاجتماعية، تهدف لتكريس الاقتتال الداخلي، وعدم السماح بتسجيل الانتصارات على الاطلاق.

الضوء الأخضر الممنوح لبعض الأطراف الفاعلة في المجتمع، للانخراط بقوة في طريق الفوضى، يتخذ اشكالا متعددة وعناوين مختلفة، فتارة يكون عبر غض الطرف عن تلك الممارسات التخريبية، وعدم الالتفات للصيحات الصادقة من مختلف الشرائح الاجتماعية، وتارة أخرى بالموافقة الصريحة والواضحة، خصوصا وان عملية الاقدام على التخريب تتطلب الكثير من الجرأة، والمزيد من العمل المتواصل، الامر الذي تفتقره بعض الأطراف الساعية للانخراط في نشر الفوضى، مما يستدعي الحصول على التأييد، والموافقة العلنية او الضمنية، لضمان الحصول على المكاسب العديدة الناجمة عن تخريب البيئة الاجتماعية.

وجود اطراف على استعداد لاحداث الفوضى، عنصر أساسية في نجاح استراتيجية التخريب الممنهجة في المجتمع، فالبعض ينطلق من مصالحه الخاصة للمساهمة في نشر الفوضى، فيما البعض الاخر يحاول الانخراط في التخريب، لاظهار دوره كلاعب أساسي في تحديد المسارات المستقبلية، مما يعني ان الانسجام في الرؤية ليس واردا على الاطلاق، بخصوص الأطراف الفاعلة في لعبة الفوضى العارمة، بمعنى اخر، فان عمليات نشر الفوضى مرتبط بحالة الانتقام أحيانا تجاه البيئة الاجتماعية، وأحيانا أخرى ناجم عن الإحساس بالفشل، مما يستدعي الاقدام على ممارسات غير أخلاقية لاحداث التخريب، وادخال المجتمع في صراعات دائمة.

إضفاء الشرعية على عمليات التخريب، احدى الأساليب المخادعة التي تمارس على نطاق واسع، فالبعض يسعى لانتزاع الشرعية والقانونية من البيئة الاجتماعية، من خلال الانخراط المباشر في عمليات التخريب، انطلاقا من قناعات ”القوي يحترم“، مما يفسر حالات التدمير النفسي والجسدي، الذي تمارس بعض الأطراف تجاه البيئة الاجتماعية، نظرا لادراكها بالقدرات المادية والمعنوية في الحصول على الشرعية، فانسحاب بعض الأطراف من الساحة الاجتماعية يترك فراغا كبيرا، مما يفرض استغلاله بطريقة غير أخلاقية لدى بعض الأطراف الانتهازية، من خلال الاقدام على اعمال لا تمت للمبادئ الأخلاقية بصلة، فتارة من الحصول على جزء من الكعكة، وتارة أخرى لمحاولة الاستفادة من الظرف الراهن، في تحقيق بعض المكاسب على حساب الاستقرار الاجتماعي.

الخشية من ردات الفعل الاجتماعية، لا تشكل عنصرا ضاغطا على الأطراف الساعية للتخريب، فهذه الضغوط غير قادرة على احداث تحولات حقيقية، في ثقافة الفوضى لدى الأطراف المخربة، وبالتالي فان الاستمرار في نشر الفوضى مرتبط في الغالب، بمدى تقبل ”أصحاب الفضايح“ لهذه المنهجية غير الأخلاقية، بينما التفكير في ردود الأفعال الاجتماعية غير وارد في الغالب، نظرا لعدم امتلاك غالبية الشرائح الاجتماعية، للأوراق الرابحة لتعطيل مشروع نشر الفوضى.

التخريب بما يتركه من تداعيات خطيرة، على مختلف الفئات الاجتماعية، يشكل احدى الأساليب المألوفة لدى أصحاب الضمائر الميتة، فالفوضى لا تجلب سوى الدمار والهلاك للجميع، الامر الذي يفسر عمليات التخريب التي تشهدها بعض المجتمعات البشرية، نتيجة شعور بعض الأطراف الفاعلة بالانكسار، والافتقار للقاعدة الشعبية اللازمة، لاستمراره كعنصر مؤثر في البيئة الاجتماعية.

كاتب صحفي