آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:16 م

المعالجات القشرية

محمد أحمد التاروتي *

يتخذ البعض المسكنات وسيلة للتعاطي مع القضايا الكبرى، نظرا لافتقاره للادوات والخطط القادرة على انهاء الازمات بشكل جذري، مما يستدعي انتهاج سياسة ”المسكنات“ كخطوة مؤقتة، للتخلص من صداع تلك الازمات، سواء كانت تلك القضايا ذات امتدادات واسعة، او تأثيرات محدودة، فالعملية مرتبطة بالقدرة على تطويق الازمات بالدرجة الأولى، وبالتالي فان الفشل في إيجاد الحلول الجذرية يفضي لاستخدام ”المسكنات“، للسيطرة على الازمات بشكل مؤقت.

التخلص من الصداع المزمن المصاحب للازمات الاجتماعية، بحاجة الى قدرة فائقة على إدارة الازمات، والتحرك باتجاه دراسة اثارها، وكذلك العمل على خلق الظروف الملائمة للتعاطي معها بطريقة صائبة، خصوصا وان إدارة الظهر للازمات يساعد في تفاقم أوضاعها، وتمددها بشكل ”سرطاني“ في الجسد الاجتماعي، الامر الذي يجعل عملية السيطرة عليها غاية في الصعوبة، نظرا لاتساعها الرقعة الجغرافية من جانب، وعدم تهيئة الظروف للسيطرة عليها من جانب اخر، مما يفضي للتحرك بشكل مؤقت لاستخدام ”المسكنات“، كنوع من الهروب للامام أولا، وكنتيجة للتعاطي السلبي مع الازمات في البدايات ثانيا.

المسكنات ليست قادرة على السيطرة على الازمات، خصوصا وان المعالجات المؤقتة سرعان ما تتلاشى، مما يعيد الأمور للمربع الأول مجددا، فالازمات تلعب دورا أساسيا في خلط الأوراق في الساحة الاجتماعية، بحيث تسهم في تعطيل الكثير من الخطط، وتدفع باتجاه انتهاج مسارات مختلفة، جراء تبدل الظروف السائدة من جانب، وبروز إشكالات ليست في الحسبان من جانب اخر، بمعنى اخر، فان محاولة القفز على الازمات بواسطة ”المسكنات“، يكشف جانبا من التفكير السائدة في المجتمع، فالتفكير العقيم يحاول البحث عن القشور، والتعامل مع الظواهر في العديد من الازمات الاجتماعية، فيما التفكير الصائب يتحرك بشكل منهجي عبر دراسة الظواهر من مختلف الجوانب، والحرص على إيجاد الحلول الجذرية والجوهرية، انطلاقا من قناعات راسخة بضرورة القضايا على المنابع الأساسية لتلك الازمات، الامر الذي يتمثل في وضع الحلول الجذرية، وتفادي التعاطي مع القشور، نظرا لخطورة استخدام ”المسكنات“ على المدى المتوسط والبعيد.

الابتعاد عن المسكنات بمثابة الخطوة الأولى، نحو البحث عن الحلول الجذرية، فالمسكنات قادرة على تخفيف الالام، ولكنها ليست قادرة على انهاء تلك المعاناة الدائمة، وبالتالي فان استبعاد كافة الحلول المؤقتة، يخلق المناخ المناسب للتعاطي بمسؤولية مع الازمات، خصوصا وان التحرك باتجاه الحلول السهلة يقود لمعالجات ”ظاهرية“، ويمنع التفكير الإصلاحي من التحرك للبحث عن المعالجات الصائبة، مما يساعد في وضع الأمور في الجادة السليمة، بحيث يقود الى حالة من الاستقرار الاجتماعي، جراء امتلاك الأدوات المناسبة للسيطرة على الازمات، وعدم السماح لها بالاستيطان في التفكير الاجتماعي، او التمدد في الثقافة السائدة لمدة طويلة.

المعالجات المؤقتة تستخدم في حدود ضيقة للغاية، خصوصا وان عملية البحث عن المعالجات الجذرية تستدعي احيانا اللجوء الى ”المسكنات“، بهدف الحصول على فسحة زمنية لادارة المعركة بالطريقة المناسبة، وبالتالي فان الحلول المؤقتة ليست هدفا استراتيجيا، بقدر ما تمثل تكتيكا مؤقتا في طريق البحث عن الحلول الجذرية، فالخطأ الذي يرتكبه البعض يتمثل في تحويل التحركات التكتيكية الى حلول دائمة، مما يسهم في تعقيد الأمور، والدخول في دوامة التكفير المعاكس، والمنهجية الخاطئة، الامر الذي يعطي الازمات القدرة على تحقيق الانتصار، والقدرة على السيطرة على التفكير الاجتماعي، بحيث تصبح الازمات جزءا اصيلا من الثقافة الاجتماعية، جراء الفشل في وضع الحلول المناسبة، لاقتلاعها من الساحة الاجتماعية.

منهجية التفكير تلعب دورا أساسيا، في انتهاج الوسائل المناسبة لمعالجة الازمات، فاذا سيطرت المنهجية الواعية على التحركات المضادة للازمات، فان الحلول ستكون اكثر فاعلية، واجدى نفعا، من خلال الحرص على تحديد الأساليب الناجحة والعملية، فيما ستكون الحلول عشوائية ومؤقتة بالنسبة لمنهجية التفكير غير الواعي، بحيث يتمثل في استخدام المسكنات، وعدم الاستجابة للنداءات الصادقة، الساعية لتكريس الحلول الجذرية.

كاتب صحفي