آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:44 م

بيوت هدّها الزمن والهجران

عباس سالم

يبدوا أن قسوة الزمن وهجران الناس للبيوت التاريخية الجاثمة فوق أعلى مرتفع في جزيرة تاروت وهي ”الديرة“ قد استسلمت للانهيار ومعانقة تلك الأطلال الجميلة للأرض أسفاً لها، وذلك بسبب إهمالها وإهمال صيانة بنيتها التحتية.

عندما تعتلي البلدة القديمة في جزيرة تاروت ”الديرة“ تمر بين أزقتها فتعجبك بيوتها الطينية، وترفع عينيك لترى كسرات الشرفات والأقواس والزخارف الجميلة لحضارة عريقة، وتعجبك أبوابها القديمة التي ما أن تفتحها إلا وتمر من تحت أقواسها المائلة وتمشي على درب الآلام!

استيقض سكان حي ”الديرة“ يوم الثلاثاء 10/ ذو الحجة 1442 هـ على وجود انهيارات أرضية عميقة بين أزقتها، مما تسبب في سقوط جدران بعض بيوتها الطينية وتأثيرات قوية لعدة بيوت متجاورة، ولم يعرف سبب تلك الإنهيارات لكن الناس الساكنين فيها رشحوا أن سببها هو تسربات للمياه من مواسير قديمة تحت الأرض أسست من عشرات السنين.

ما يميز حي الديرة في جزيرة تاروت هو اسمها المكتوب في وجدان من نشؤوا فوق ترابها واستمتعوا بحياة الطفولة بين أزقتها ولعبوا مختلف الألعاب الشعبية تحت ظلال صاباتها، نسير ونتوقف هنا وهناك بين دكاكين الطيبين الذين رحلوا عنا يرحمهم الله، ونهم بين الأزقة الضيقة المؤدية إلى الماضي السحيق لنرا ”قصر تاروت“ وهو يقف بكامل هيأته تغازله الشرفات والمشربيات والأقواس الحانية التي في البيوت التاريخية وتتشربها الحجارة وأخشاب الباسچيل التي تغطي أسقف غرفاتها الجميلة.

بيوت ”الديرة“ تمثل ما خلفه الأجداد والأباء للأبناء لكي يكون عبرة من الماضي ونهجاً يستقى منه ليعبروا به من الحاضر إلى المستقبل، وإن التراث هو كل مخلفات الماضي التي وصلتنا ووجب علينا الحفاظ عليها بكل ما استطعنا من امكانيات، فهذا واجبنا الأخلاقي لأنه يربطنا بالماضي، لكنه للأسف تركنا ذلك التراث من دون عناية ولا صيانة ليقاوم عوامل الزمن التي عرت جدرانها وأصبحت قاب قوسين أو أدنى إلى الانهيار.

الإرث التأريخي في المنطقة القديمة ”الديرة“ الممتد لمئات السنين، اليوم للأسف نقف على مخلفات بيوتها الأثرية وهي تتهاوى واحداً بعد الآخر من دون أي مبادرة أو عمليات إنقاذ من أي جهةٍ لوقف تلك الانهيارات والحفاظ على ما تبقى من بيوتها التراثية، لأن التراث يعتبر ميراث يتناقله الناس على مر العصور والأزمان.

تحويط بعض البيوت التاريخية المتصدعة بالحواجز الخرسانية وإخلائها من السكان لن يحل مشكلة الإنهيارات الأرضية بين أزقتها، وإنما يجب على المهتمين بالتراث في وزارة السياحة والتراث الوطني القيام بعمليات انقاد لها دون المساس بجوهرها أو إزالتها، لنترك للأجيال القادمة ثقافة وتراثاً مستمداً من واقع الحياة وعيش الأجداد ممزوجاً بالقديم والحديث.

ختاماً نتمنى بأن تشكل لجنة من مختلف الدوائر الحكومية ذات الصلة، للقيام بدراسة الوضع المأساوي لبيوت الديرة دراسة دقيقة، واتخاذ إجراءات سريعة وفاعلة لمعالجة البنية التحتية المتهالكة في المنطقة القديمة ”الديرة“ ووقف استمرار تصدع بيوتها الأثرية، والحفاظ على إرثًا تاريخياً امتدَ لمئات السنين.