آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

الأرخبيل

علي العبكري

كتب الله سبحانه وتعالى لنا زيارة الأرخبيل الإندونيسي نهاية عام 2018 بداية 2019 م، ومعنى أرخبيل هو مجموعة الجزر المتقاربة حيث تتكون إندونيسيا من حوالي 17 ألف جزيرة أكبرها جاوه، ومعظم سكانها مسلمون ولله الحمد.

قبل زيارتي لهذه البلاد الشرق آسيوية ومن خلال سؤال من زارها من الأهل والأصدقاء اتضح لي أنهم ينقسمون إلى قسمين الأول يحبها وينصح بزيارتها والثاني يكرهها ولا ينصح بالسفر إليها ولكلٍ أسبابه.

منذ دخولنا للمجال الجوي الإندونيسي ومن خلال النظر عبر نافذة الطائرة يتضح للزائر حجم البقعة الخضراء الشاسعة عمومًا، حطت طائرتنا في مطار جاكرتا الساعة الواحدة ظهرًا وهو مطار كبير الحجم وخدماته جيدة والوحيد الدولي في الأرخبيل.

بعد إنهاء إجراءات الوصول ركبت سيارة الأجرة متوجهًا للجبل الأخضر ”بونشاك“ وخلال ذلك كان المطر ينهمر بغزارة على العاصمة بينما كانت درجة الحرارة 37 درجة مئوية وتأكد لي صحة كلام من أخبرني أن العاصمة حارة مزدحمة ولذلك توجهت فور وصولي إليها منها للجبل مباشرة.

الطريق من العاصمة جاكارتا إلى الجبل طريق جميل يصعد بسالكيه مرتفعًا عن سطح البحر وتقل درجة الحرارة فيه شيئًا غير قليل عن العاصمة، فيما كان السحاب يرافقنا متجمعًا مرحبًا بقدومنا، ويتناثر على جنبات الطريق الباعة المتجولون والمطاعم بجميع جنسياتها وتكثر المطاعم العربية والذي كان أحدها محط رحالنا لتناول وجبة الغداء.

وصلنا لمسكننا أعلى الجبل قبيل أذان المغرب وعندما نادى المنادي للصلاة امتزج صوته بزخات ممطرة أنعشت الفؤاد وهون علينا تعبنا ومسح عنا وعثاء السفر، فما أجمل المزج بين صوتين أولهما أذان وآخر مطر.

مكثنا في ”بونشاك“ أيامًا عدة والجبل منطقة فائقة الجمال تتعدد فيها الأماكن السياحية وتتوفر فيه جميع الخدمات، بعد ذلك توجهنا إلى مدينة باندونق وتبعد حوالي ثلاث ساعات عن الجبل وهي مدينة ذات شقين الأول طبيعي ففيها يوجد الجبل البركاني ويتم الصعود له بالسيارة ويوجد أعلاه مكان ثورانه قديمًا، أما في الأسفل فقد اُستغلت مياه البركان الكبريتية الحارة المتدفقة في إنشاء منتجع صحي جميل للغاية، فقام محدثكم بالاستمتاع فيه سباحةً وتدليكًا حوالي الثلاث ساعات ولولا نداءات البطن الجائع المتكررة لمكثت أكثر، أما الشق الآخر لمدينة باندونق فهو شق التسوق حيث تكثر فيها المجمعات الكبيرة بالإضافة لأكثر شوارعها شهرة شارع الجينز وهو مكان جميل للتسوق وبضاعته جيدة الإنتاج والثمن.

بعد مكوثنا في باندونق عدنا للجبل وبقينا فيه أيامًا عدة حتى موعد رحلتنا عائدين للوطن، أثناء زيارتي للأرخبيل قمت باستئجار دراجة نارية هذه الدراجة مكنتني للوصول إلى أماكن لم أكن لأصلها مع السائق بالسيارة فجعلتني هذه الدراجة أتمشى بين حواري الجبل تحديدًا فأدخل في حارة وأخرج من أخرى سالكًا أزقتها الضيقة مكونًا فكرة عن سكانه عمومًا، فأثناء تجوالي حضرت حفلة زواج وسلمت على العروسين مباركًا لهما زواجهما فكانت حفلة الزواج مقامة عصرًا والحاضرون لايتجاوز عددهم الثلاثين شخصًا، وأما المكان فكان ساحة إحدى القرى، وأستطيع القول أن الشعب الأندونيسي شعب ودود دائم الابتسامة، والمرأة هناك مكافحة فقد كنت أراها جنبًا إلى جنب مع الرجل في حقول الأرز والشاي والمتاجر وطاهية في المطاعم.

جاء يوم وداعنا لهذا البلد الجميل وأهله اللذين لاتغادر الابتسامة محياهم فاتفقت مع السائق أن يأتينا بعد صلاة الفجر مباشرة تفاديًا للزحام، وفعلًا سلكنا الطريق نزولًا من الجبل متجهين لجاكرتا وكان الظلام ينقشع قليلًا قليلا والفجر يخط خطوطه الأولى بينما كان الباعة والمزارعون يتجهون كلًا لكسب قوته بينما داعبة نسمات الفجر الجبلية خصلات شعري فلم أستطع معها صبرا فأغمطت عيناي ولم أفق إلا أمام المطار مودعا، أقلعت طائرتنا متوجهة لأرض الوطن فيما سُجل اسم محدثكم من محبين بل عشاق إندونيسيا.

أكتب هذه الأسطر والأخبار تأتي غير سارة عن الأرخبيل حيث تتنامى أعداد المصابين بوباء كورونا والإغلاق وصعوبة التنقل أصبح سمة البلد الجميل، هذا فيما أعلنت وزارة الداخلية السعودية منع السفر إليها وإجلاء المواطنين منها، أسأل الله سبحانه وتعالى أن تمر هذه الجائحة على الأرخبيل بردًا وسلاما وأن يرفع عنا جميعًا هذا الوباء وأن تعود الأمور كما كانت وأفضل قبل الجائحة اللهم آمين.