آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 4:24 م

معارك النفوذ

محمد أحمد التاروتي *

تُستخدم شتى الأساليب المشروعة، وأحيانا غير المشروعة، في توسيع الرقعة الجغرافية للنفوذ، على الساحة الاجتماعية، بهدف السيطرة على العقل الجمعي، ومحاولة توجيه الرأي العام باتجاهات محددة، خصوصا وان امتلاك النفوذ يفتح الكثير من الأبواب المغلقة، ويقود للامساك بزمام الأمور في جميع الأوقات، الامر الذي يفسر التقاتل المستمر بين الأطراف النافذة لتوسيع الرقعة الجغرافية، والعمل على تضييق الخناق على الأطراف المنافسة، تمهيدا لازاحتها بشكل كامل من الساحة الاجتماعية.

معارك النفوذ تجلب معها الكثير من المكاسب، والعديد من الصلاحيات، نظرا لامتلاك الأدوات اللازمة للتحكم بالرأي العام الاجتماعي، مما يجعل الكثير من العقول تحت رحمة أصحاب النفوذ القوي، سواء نتيجة الخشية من التعرض ”للغضب“، وفقدان القدرة على التحرك بحرية، او بسبب التقرب لنيل الرضا، مما يوفر الظروف المناسبة لتوجيه العديد من الشرائح الاجتماعية، نحو الغايات المرسومة والأهداف المحددة.

استخدام الأساليب المشروعة في إدارة معركة النفوذ، عملية مشروعة وليست مرفوضة على الاطلاق، انطلاقا من تكافؤ الفرص للجميع، فالبقاء للاصلح والاقدر على توظيف الإمكانيات الذاتية، في سبيل الإمساك بزمام الأمور على الساحة الاجتماعية، وبالتالي فان الأساليب المشروعة تعتبر وسيلة المنافسة الشريفة للاستحواذ على العقل الجمعي، والعمل على تحريك البيئة الاجتماعية، نحو بعض الاتجاهات الخاصة، سواء كانت تلك الاتجاهات ذات طبيعية شخصية بحتة، او كانت ذات اهداف اجتماعية شاملة، فالتنافس المشروع يعطي كافة الأطراف المتنافسة المساحات المتساوية لاظهار القدرات الذاتية، ومحاولة تحقيق الانتصار ضمن الصراع المشروع القائم بين الأطراف المختلفة.

محاولة الالتفاف على الأساليب المشروعة للتنافس الشريف، احدى الوسائل المستخدمة لازاحة الأطراف الأخرى، من الساحة الاجتماعية، فاستخدام التنافس المشروع يتطلب المزيد من الوقت، فضلا عن إمكانية التعرض للخسارة، وفقدان بعض الصلاحيات الحالية، مما يفرض الاتجاه نحو الأساليب ”المحرمة“، بهدف اختصار الزمن والاستحواذ على مقاليد الأمور بشكل سريع، وبالتالي فان ”الغاية تبرر الوسيلة“ تمثل القاعدة المستخدمة، لدى بعض أصحاب الاطماع الكبرى على الساحة الاجتماعية.

القدرة على التحرك بحرية عملية أساسية، في إدارة معركة النفوذ بشكل كامل، فمحدودية الحركة تحول دون استخدام شتى الأساليب المشروعة، وغير المشروعة، نظرا لوجود عناصر ضاغطة تحول دون امتلاك الأدوات اللازمة، للتصدي للهجمات القوية الصادرة من الأطراف المنافسة، مما ينعكس على الاليات المستخدمة، في سبيل الوصول الى الأهداف المرسومة، لاسيما وان معركة النفوذ ليست محصورة في نطاق جغرافي او زماني محددة، فهي مفتوحة بشكل كامل، مما يستدعي اتخاذ الحذر والحيطة على الدوام، لاسيما وان الغفلة تجلب معها الكثير من الويلات، وتقلص من المساحة الجغرافية، وتسمح للأطراف الأخرى للتمدد عموديا وافقيا، الامر الذي يمهد الطريق للتواري عن الساحة والتلاشي بشكل كامل.

التحركات الساعية لتوسيع قاعدة النفوذ الاجتماعي، تواجه الكثير من العراقيل، والمزيد من الصعوبات، فالطريق نحو امتلاك النفوذ ليس مفروشا بالورود، وانما يواجه بسلسلة من الافخاخ المنصوبة في الطريق، مما يستدعي اتخاذ سبيل الحيطة والحذر، وتفادي الوقوع فريسة سهلة في الافخاخ المنصوبة، وبالتالي فان توسيع الرقعة الجغرافية تتطلب الصبر، والعمل على قراءة الواقع الاجتماعي بدقة، بهدف تفادي المفاجآت العديدة التي تعترض عملية الوصول الى تلك الغايات الكبرى، خصوصا وان العديد من الخطط المرسومة على الورق تواجه بواقع مغاير تماما، مما يستدعي وضع الخطط البديلة، والقادرة على معالجة الأمور بطريقة مناسبة، بمعنى اخر، فان معركة النفوذ ليست ناجحة على الدوام، فاحيانا تكون الأمور سهلة والطريق معبدة، فيما تكون الأمور اكثر صعوبة وغير واضحة على الاطلاق، مما يسهم في عرقلة الجهود، وعدم القدرة على توسيع النفوذ في الساحة الاجتماعية، فيما يضطر البعض لتقديم بعض التنازلات، وتقليص جزء من النفوذ جراء الفشل الذريع في تلك المآرب، وعدم القدرة على اجبار المنافس على الانسحاب من الساحة الاجتماعية، نظرا لامتلاك القدرة على الصمود، في وجه مختلف الأساليب المستخدمة في معركة النفوذ.

كاتب صحفي