آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

محبة أهل البيت (ع) عمل وعطاء

ورد عن الإمام الصادق : حبنا أهل البيت أفضل عبادة» «المحاسن ج 1 ص 150»

يحدثنا الإمام الصادق عن أهم الأبواب للتقرب إلى الله تعالى والسير في طريق العبودية وتحقيق الإرادة الإلهية ألا وهو حب أهل بيت رسول الله ﷺ، وهو تأكيد لمفهوم قرآني يتحدث عن مودتهم كمعيار للهدى والاستقامة، ولكننا نحتاج إلى تفكيك الكلمات في الرواية الشريفة حتى نصل إلى المحصلة النهائية من مفهومها ودلالاتها التي تستخلص كدروس وعبر، وتجلي لنا حقيقة ومرتبة هذا الحب الصادق والذي يشكل مسارا في التقرب من الله عز وجل.

المضمون الأول هو الحب لهم والذي يحقق تلك النتيجة وهي العبودية بأعلى درجاتها وأفضلها، وهو ما يقصر علينا الطريق عن التشعب في متاهات مفهوم ذلك الحب المثمر لهذه الشجرة المباركة، فلا يمكن تصور أن مجرد الميل القلبي لهم هو ما يحقق المبتغى ويوصل إلى المطلوب، إذ أن الميل القلبي لهم قد لا يكون منساقا مع السير على منهجهم، وبالتالي فالحب بهذا المستوى ليس هو المقصود بما يريده سبحانه في كتابه وأهل البيت في رواياتهم، بل هو ذلك الفكر الواعي الذي ينظر إلى شخصيات عظيمة قد بلغت أعلى درجات العبودية والكمال والفضيلة؛ ليتخذها قدوة يحتذي بها من خلال ما يراه من سيرتهم ومواقفهم وكلماتهم الغراء فيجعلها نبراسا في حياته، والمرحلة الأخرى هي الحب العملي بمعنى امتلاك الإرادة لتطبيق تلك التعاليم والتوجيهات في حياته، حينئذ يصل إلى مرحلة الحب الحقيقي وهو الانجذاب لاستماع وقراءة سيرتهم ليتقوى بها في طريق الاستقامة والتورع عن محارم الله عز وجل.

وما اتخذهم قدوة له إلا لأنهم امتداد طبيعي لسيرة رسول الله ﷺ في صفاتهم وأفعالهم وحكمهم النيرة، مما يعني له أن يسير وفق منهجهم للتقرب إلى الله تعالى، فيجعل كل مفردة في كلماته وسلوكه خطوة تقربه للباري عز وجل، فهذه الأنوار المشرقة لكل معاني الكمال والفضيلة الأخلاقية من أحبهم نور الله تعالى قلبه وفكره بالهدى والصلاح والورع عن محارمه، فمن أحبهم استأنس بمحراب الطاعة والعبادة وذكر الله تعالى، وتحلى بمكارم الأخلاق كالحياء والصدق والأمانة والتواضع وحسن التعامل مع الناس.

ولهذا عد الإمام الصادق محبة أهل البيت من مصاديق العبادة، وهذا ما يعطي العبادة مفهوما شاملا لكل ما يتقرب به الإنسان لله عز وجل، ولا يقتصر الأمر على المصاديق الواضحة كالصلاة والصوم والصدقة وغيرها، بل هي كل ما يصدر من المرء من عبادات وأعمال صالحة تسير به نحو الكمال الروحي والأخلاقي، والعبادات طريقية نحو تحلي المرء بصفة التقوى والصلاح والاستقامة وطهارة النفس من دنس الشهوات والأهواء، وأما وجه الأفضلية لمحبة أهل البيت من بين العبادات وتسنمها لقمتها فذلك ناتج من شموليتها للمضامين الدينية، وذلك أن هذه المحبة تمثل منهج قدوة شاملة لجميع الأبعاد العقائدية والأخلاقية والتربوية والاجتماعية، بما ينمي شخصية المحب ويكسبها معنى التدين الحقيقي، فالمحب حينما يقرأ في سيرة أهل البيت ما يشير لعلاقتهم بالله عز وجل في محراب الطاعة والعبادة والمناجاة، وما يشير إلى المضامين المعرفية القيمة التي تحملها لآلىء كلماتهم، وما يشير إلى علاقتهم بالناس المتسمة بمكارم الأخلاق بأعلى درجاتها، فإن هذا المحب للكمال والفضيلة المتمثلة فيهم سيجعلها نبراسا يحتذي به ويطبقه في ميادين علاقاته وتعاملاته، فذلك ما يضفي عليه معالم السمو والطهارة واليقظة الروحية.