آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 10:36 م

ماذا لو..؟

وسيمة عبيدي * صحيفة اليوم

كان هنالك قاضٍ استلم قضية سرقة بنك، حيث يتوجب عليه الحكم فيها. بعد مراجعة المعلومات المقدمة له عن القضية، تأكد من براءة المتهم الذي أمامه وكان جاهزاً لتبرئته. لكن ما حدث بعد ذلك هو أن قام بعض أعداء المتهم باختطاف ابنة القاضي البالغة من العمر 6 سنوات وطلبوا منه إدانة المتهم مقابل إطلاق سراحها. لا فكرة لدى القاضي عن أين يحتفظون بابنته ولا الشرطة استطاعت مساعدته في تقفي أثرها. هو يعيش الآن في رعب ولا يستطيع التوقف عن التفكير في حال ابنته واحتمالية أن يقوم المختطفون بالاعتداء عليها في هذه اللحظات سواء بالضرب أو جنسياً. ماذا يجب أن يفعل؟ هل الأفضل أن يدين شخصاً بريئاً ويزج به في السجن لسنوات طوال ويشوه سمعته ويدمر حياته لإنقاذ طفلته على الرغم من تأكده من براءته؟ أم الأفضل أن يحكم ببراءته ويطلق سراحه ويخاطر بحياة طفلته الصغيرة، التي لا ذنب لها في كل هذا؟ ربما يختار أن يدينه وبدون أي أدنى تفكير لأن المتهم بإمكانه استئناف الحكم ولأن حياة طفلته أهم. ربما يحاول التحدث للمتهم وشرح المشكلة له والاتفاق معه على إدانته ثم محاولة تبرئته لكن سيكون من حق المتهم اتهام القاضي بالفساد وتفضيل أهله على الحكم العادل. أو ربما يختار أن يطلق سراحه؛ لأن ضميره سيكون مرتاحاً وسيعتبر ابنته شهيدة العدالة. دائماً ما يبدو الخيار سهلاً إذا كان الأمر لا يتعلق بنا شخصياً ولا سبيل لنا للإحساس بصعوبة الموقف إلا بتقمص دور بطل القصة. ولذلك نحن نتخيل!

حتى لو كانت احتمالية حدوث هذه القصة صعبة وغير واردة، والهروب من التفكير فيها أسهل، لكن تخيل معي أنك أنت هو ذلك القاضي. ماذا ستفعل؟

تعرف المعضلة على أنها المسألة الصعبة أو المشكلة العويصة، التي لا حل لها. وتعرف الأخلاق على أنها مجموعة من الصفات النفسية، التي ترتكز على قيم ومبادئ الإنسان، والتي تعكسها تصرفاته وقراراته وتتسم بالحسن أو القبح. وهي أيضاً مجموعة من القواعد والقوانين، التي تحكم سلوك الفرد والمجتمع وتعمل على انضباطهما وتنظيم مفاهيم الخير والشر. إذا تعرف المعضلة الأخلاقية على أنها مسألة صعبة أو مشكلة عويصة تختبر فيها قيم ومبادئ الشخص عندما يجبر على الاختيار بين خيارين أخلاقيين أو أكثر نتائجهم غير مرغوب فيها ويؤدي اختيار أي منهم لانتهاك آخر، وتنازل الشخص مكرهاً عن بعض قيمه ومبادئه.

توجد في الحياة معضلات علمية، اقتصادية، اجتماعية وأنواع أخرى كثيرة لكن تعتبر المعضلات الأخلاقية أصعبها. إيجاد الحلول للمعضلات العلمية مثلاً، التي وضعت لها بعض القوانين سابقاً قد يكون أسهل إذا ما قورن بمعضلات تحتاج لحكم بشري وحدس إنساني وترجيح للخيار ذي النتائج الأقل ضرراً كالمعضلات الأخلاقية. ولأننا لا نناقش هذا النوع من المعضلات الأخلاقية في مجتمعاتنا ولا ننتهز الفرصة لنتأمل فيها نجد أن الكثير من الأشخاص يفضلون التقيد بالنظام لحماية أنفسهم حتى لو كان النظام قديماً عفا عليه الزمن، أو غير مناسب لحل المشكلة وحتى مع قناعتهم بأن النتائج ستكون وخيمة على فرد في المجتمع أو على المجتمع بالكامل.