آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

آثار لا تندرس

«هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب»

هذا ما خطته أنامل الإمام السجاد - رائد الحركة الإعلامية للنهضة الحسينية - على قبر السبط الشهيد بكربلاء؛ ليعلن بذلك أن هذه البقعة الطاهرة ستكون مركزية ومحورية في حركة البشرية نحو الحق والعدل والفضيلة، وتفنيد سجادي لمن توهم انتهاء مفاعيل ونتائج واقعة الطف باستشهاد الإمام الحسين ، بل كانت عاشوراء بداية الوعي والاستنهاض الأممي للبشرية كافة بالتجلبب بالكرامة والحرية والعزة، ورفض كافة أشكال العدوان والاستبداد والاستعباد ونبذ الظلم والجور، فالنهاية لم تكن الشكل الظاهري للواقعة بل هو بداية التخطيط الإلهي لانتصار الدم على السيف، وتهيئة الأحرار عبر الأجيال ليكون فكرهم وسلوكهم وفق منهج كربلاء الحسين، حتى يظهر الإمام المنتظر فيطهر الأرض من كافة ألوان الظلم ويقيم مظلة السلام والعدل والوئام الإنساني.

المشاركة الوجدانية مع كربلاء نسجت خيوطها الإرادة الإلهية مع قلوب المؤمنين، فأحدثت تلك المشاعر الملتهبة والمتآزرة مع الصرخة المدوية ضد الظلم والعدوان في كل زمان ومكان، نعم إنها الأحاسيس الواعية التي تستلهم من نهضة الإمام الحسين دروس الحياة، وتجعلها منارا تستهدي به في لجج الأفكار والسلوكيات المتعددة، فتلك الأرض الملتهبة بحرارة شمس كربلاء التي صهرت وجوه الشهداء، ونسمات الهواء التي جرت على أجسادهم الطاهرة، تحولت إلى صورة وجدانية مبكية لقلوب الموالين يتذكرونها أثناء إقامة الشعائر الحسينية، فتلك الدموع المذروفة على مصاب العترة الطاهرة تتحول إلى حركة وعي وهمة في ميدان تهذيب النفس وتكاملها بالفضائل.

فالعين ترقب باهتمام تلك البقاع المقدسة في الطف ويستذكر المؤمنون أحداث الملحمة الخالدة، والتي سطر فيها أبطال كربلاء أروع وأقوى المواقف في وجه الطغيان والبغي، وما يعتصر القلب ألما وكمدا هو ما جرى على بنات الرسالة من ألوان الحيف والظلم وجرهن سبايا من بلد إلى بلد، أرادوا بذلك أن يشفوا غليل قلوبهم الحاقدة ويوجهوا سهام الإذلال والمهانة للعترة الطاهرة، وصولا إلى الغاية الكبرى عندهم وهي إنهاء ذكر أهل البيت من عقول وقلوب الناس، ولكن مكرهم إلى زوال وتبديد أمام التأييد الإلهي لتلك الأنوار الزاهرة، وإذا بكربلاء تصبح محط الرحال للأحرار والسائرين على نهج ومباديء الحسين ، تضم بين جنباتها الصرخات المدوية ضد الظلم والعدوان.

الأقدام تتنقل بين جنبات جنة الله في أرضه تتنعم نظرا وتزدهي طمأنينة ورضا بقضاء الله عز وجل، وتنغرس في تلك النفوس معالم النهضة الحسينية، وما كان عليه أولئك الأبطال الذين صانوا دين الله وقيمه، فمعالم الشخصية المتكاملة وما تتصف به من رسوخ العقيدة والورع والخلق الرفيع والنبل والشجاعة والحكمة والبصيرة وغيرها من الصفات الحميدة تجسدت في أصحاب الإمام الحسين ، والطف صورة تحمل كل المعاني الرائعة التي يتربى عليها الجيل الواعي.

كما أن الوجدان الإنساني المختزل للمشاعر الصادقة المعبرة عن مكنون النفس، تهزها واقعة الطف بما حملته من صور الأسى والألم بما حل من فجيعة كبرى على العترة الطاهرة، فتلك الأجساد أو الأشلاء الممزقة المتناثرة على أرض الطف وقد اصطبغت بدم البسالة والشهادة تلهب النفوس الحرة، كما تصك الآذان المرهفة صراخ اليتامى وتوجعاتهم في مسيرة السبي المضنية.

فأي سر حملته الطف حتى أضحت سمتها الخلود والتجدد والحضور في العقل والوجدان على مر الزمان؟!