آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

ليس عندي ما أخسره!!

زكي بن علوي الشاعر

عندما كنت في التاسعة من عمري، كانت لي مكتبة شكلتها مما بقي ولم يضع أو يتلف، من كتب جدي: الحاج عبد الله بزرون.

وكانت هٰذه الكتب نواة مكتبتي، ولا أزال محتفظًا بها، إلى الآن؛ بل إنني بهاتيك الكتب ضنين، علىٰ غير عادتي من السماحة بكل ما أملك!!

كان من تلك الكتب: المنتخب، في جمع المراثي والخطب، ويعرف ب «الفخري»، نسبةً إلىٰ جامعه العظيم: الشيخ فخر الدين الطريحي، رحمه الله تعالىٰ.

وكنت في تلك السن الصغيرة، بدأت أصلي جماعة، وأول من ائتممت به: الشيخ علي إلمرهون - رحمه الله - ثم لازمت الصلاة مع الشيخ محمد حسن المرهون - رحمه الله - الذي له الفضل الأكبر علي وعلىٰ غيري، في تأسيس المسائل الشرعية والعقدية، ثم نصحني الحاج أحمد العوىٰ، بالاقتداء بسماحة آية الله: الشيخ حسين إلعمران، يحفظه الله، فصرت أصلي في مسجد الشيخ فرج، ومسجد المزار.

وقلدت السيد الخوئي - رحمه الله - وسمعت بالسيد الحكيم «رحمه الله»، وتخيلت خيال الأطفال، وقلت: سأصبح أعلم من الخوئي والحكيم والحلي والمفيد والمرتضىٰ والطوسي كلهم، رحمهم الله جميعًا.

كنت أحلم أثناء اليقظة، وأرىٰ نفسي - وأنا دون البلوغ - كالحلي الذي اجتهد، قبل البلوغ، وكنت أرى الشيخ محمد حسن المرهون يوصي الناس بي، ويقول: هٰذا خليفتي فيكم من بعدي، كما كان يقول الرسول في أمير المؤمنين - صلى الله عليهما وآلهما - وكنت أرىٰ نفسي وأنا أعتمر عمامة سوداء كبيرة، كانت أعرض من «الزرنوق اللي بين بيت جدتي: ام علوي وخالي: حجي سلمان الطراح»، حتىٰ إن جدي «عبد الله بزرون» كان يعينني على احتمالها وإمالتها؛ لأمر في ذٰلك «الزرنوق».

هٰذا هو العلم، وإلا فلا!!

وكنت أحفظ المدائح والمراثي؛ لأغدو خطيبًا مصقعًا أنافس الشيخ محمد حسن إلمرهون، والملا باقر إلمدن، والملا علي الطويل، رحمهم الله.

هٰذا هو العلم!!

أخذت «الفخري»، ومضيت إلىٰ «حسينية بيت الخباز» في حي المدارس، وحدد لي سماحة السيد هاشم الخباز ستة أبيات؛ لأحفظها وألقيها في الليلة القادمة، وأبكي المستمعين، وأجندلهم صرعىٰ، بعد سماعهم صوتي المشجي المفجع.

عدت إلىٰ دارنا في «مياس»، مسرورًا، مستبشرًا، فتلقتني سيدتي الوالدة - سامحها الله! - وقالت:

- زكيوه! من وين جاي؟!

- جاي من حسينية الخباز، وسيد هاشم قال ليي أحفض هالابيات؛ علشان أقراهم في الحسينية، ليلة باجر، وأصيح اللى اهناك كلهم!!

- عجيييييييييييييب!! عجل تمبى اتصير ملا؟! أراويك!! جيب الفخري!! جيبه!!

و«هبشت الفخري»، و«شالت الكتب كلهم»، و«قمت أصيح وأصيح وأصيح»، وكرهت أمي «اللي حرمت الناس» ممن سيكون أعلم العلماء، وأخطب الخطباء، في وقت قصير!!

ولٰكنني «أمبىٰ أصير ملا اليوم!!»، فلنبدإ الخطبة التي ستجندلكم على الأرض صرعىٰ...!!

جادوا بأنفسهم، من دون سيدهم

والجود بالنفس أقصىٰ غاية الجودِ

... تقدم الكلام عن أنصار أبي عبد الله الحسين - صلوات الله عليه - وعرفنا أنهم ضحوا بأموالهم، وأنفسهم...

ونحن نريد أن نقتدي بهم، صلوات الله عليهم.

أما أنا - وأنا أحقر خدامكم - فليس عندي دار ولا عقار، ولا مال ولا جاه؛ ومن هنا، فلو «زعلوا عليي أصدقائي» من الفقهاء، فما عندي شي أخسره!!

لا منصب، ولا وظيفة، ولا شهرية من وكيل، فليش أترك نصرة المظلومين من أمثال شيخ حسن الصفار وشيخ علي إلمحسن؟!

هل عرفتم جوابي علىٰ سؤالكم: أما تخشىٰ أن تخسر علاقتك بالمشايخ الذين ذكرتهم في مقال لك سابق؟!