آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

إعادة ترتيب الأوراق الزوجية‎‎

السيد فاضل علوي آل درويش

نحتاج إلى تلك التربية والثقافة التي تساعدنا في فهم حقيقة الحياة الزوجية المستقرة، ولا يعني ذلك تقديم نموذج مثالي يخلو من الاختلاف وسوء الفهم وخلو حياتهما من محطات التأزم والمرور بالظروف الصعبة، فذلك ضرب من الخيال والوهم لأنه يخالف طبيعة قوانين الحياة الممتزجة ألوانها بين التعب والراحة أحيانا وأحيانا، والحياة الزوجية المستقرة تشير إلى بناء ثقافي وسلوكي عند الزوجين يساهم في بناء كيان الأسرة وفق أطر التقدم والازدهار، ثقافة تحضر في محطات حياتهما الصعبة لتسهم في تجاوزها ووضع أطر الاحتمالات والحلول الممكنة، ويجنبهما مخاض المشاكل المستحكمة وما يترتب عليها من تراكمات سلبية توسع فجوة الخلاف وتزيد من رقعة الجفاف العاطفي بينهما، إذ الخلاف أو سوء الفهم بحد ذاته لا يعد مشكلة مستعصية على الحل أو تعبر عن نذر انفصام العلاقة، وإنما هي محطة اختبار لما يمتلكانه من تفاهم وأسلوب حوار راق يسهم في إيجاد أرضية التوافق والحل الممكن.

التربية السليمة للشاب والفتاة منذ الصغر المبنية على احترام الآخر والتعامل الراقي معه يؤسس أرضية بناء الشخصية القوية، كما أن الثقة بالنفس تعزز قدرة الفرد على مواجهة جوانب الضرر والخطر، وهذا ما ينعكس على شعور الزوجين بالقدرة على مواجهة أي عاصفة خلاف تهب عليهما، فالخلافات سهلة الحل إذا تحلى الزوجان بسعة الصدر والصبر واستماع الآخر ومحاورته بغية الوصول لحلول مرضية، كما أن شجاعة الموقف تحضر بقوة في جعل المشكلة خلف ظهريهما من خلال المبادرة إلى الاعتذار، مما يبرد الأجواء الملتهبة بينهما ويعيد لهما التوازن الفكري والوجداني، ويكمل مشهد الود بينهما قبول الطرف الآخر للاعتذار تجاوزا للخلاف، فالتسامح المرهم الذي يداوي كل ألم ومنغص للحياة الزوجية ويجنبهما إرهاصات الاضطراب والتوتر، ومن المهم أن يتم دفن ذلك الخلاف تماما وأن لا يجعل ملفا جاهزا وورقة ضغط يتم فتحها وإعادتها في أي خلاف مستقبلي، فذلك يفقدهما الثقة والمشاعر الحانية ويسبب نفرة بينهما قد تتسع مستقبلا بما لا يقبل الرتق، وكثيرا من الأزمات والخصومات الزوجية تكون مصطنعة وتنشأ من ضحالة الثقافة وعدم فهم محاور التفاهم والتحاور ومداورة ومعالجة الأمر بهدوء، والحلول في نجاعتها لا تأتي من الخارج وتدخل الآخرين بل هي ناشئة من تفاهم الزوجين وقدرتهما على التعامل مع الخلافات إلا في حالات قليلة.

فالاحتكاكات شبه اليومية واختلاف وجهات النظر والتقصير لا يعد مؤشرا على اتجاه علاقتهما نحو الترهل والاضمحلال وصولا إلى الانفصال، أو كما يحلو للبعض توصيف وجود المشاكل بالإخفاق من الزوجين وعدم قدرتهما على إقامة علاقة مستقرة، وإنما الأمر لا يعدو كونه من التحديات الاجتماعية الطبيعية لقدراتهما على احتواء الآخر ونسج علاقة تفاهم ومحبة معه، فالعلاقة الزوجية لا تختلف عن بقية العلاقات الاجتماعية في حاجتها إلى الحكمة وضبط النفس والانفعال بعيدا عن التهور والصراخ، ومجرد الجلوس للاستماع للآخر وتفهم ما يعاني منه أو وجهة نظره وتفهم ظروفه يعيد الهدوء والحيوية لعلاقتهما، خصوصا إذا كانت مطعمة وممزوجة بالمشاعر العاطفية الصادقة، فالجدية في البحث عن حلول ومخارج وعدم تجاهل مشاعر شريك الحياة قادر على تجاوز أي توتر وإعادة ترتيب الأوراق.

وأما منشأ التأجيج في الخلافات وتصعيد المشكلة فهو الأساليب الخاطئة المستخدمة كالنكدية والاستفزاز والمواجهة الحادة، مما يفقدهما الاتزان الفكري والوجداني وراحة البال وهدوء النفس والإحساس بالسعادة الزوجية.

الخلافات وسوء الفهم وما يتلوه يمكن توجيهه وتصحيحه إذا امتلك الزوجان الإرادة الجدية، وعملا على معالجة أي خدش في مشاعر الآخر مما يعيد المياه إلى مجاريها، وأما التغافل عن عوامل المشكلة بالنظر إلى نسيانها مع مرور الوقت فهو اشتباه، فالموقف يتطلب منهما تحمل المسئولية وتجنب الهروب وبذل الجهود المشتركة منهما للوصول إلى بر الأمان، وإلا فإن الخلاف المتروك بلا معالجة سيتحول إلى نار متوارية تحت الرماد تشتعل مع أي احتكاك مستقبلي.