آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 4:55 م

سلسلة: نِعَمْ والتربية الأسرية

التربية الأسرية لدى البعض والتعامل مع الخدامة والسائق المنزلي

المهندس أمير الصالح *

نسمع جملة: ”ترى الخادمة والسائق مثل السبرنج، طالما إنك دايس وضاغط عليهما، فأنت في أمان ومسيطر على الوضع. وإن رخيت معاهم فان السبرنج راح يقفز في وجهك بقوة ويحدث لك أضرار جسيمة. فانتبه!“.

هذه جملة يرددها البعض من الناس في بعض المجتمعات عند عقد محادثات هاتفية أو شفوية بُعيد استقدام خادمة منزلية أو سائق منزلي لبيت فلان أو فلانة من معارفهم أو أصدقائهم.

استقدام الخادمة/ السائق للمساعدة في إنجاز فروض المنزل ومشاوير الأبناء والبنات ترفع مستوى الراحة لدى أفراد الأسرة. وهذه نِعمة كبيرة تستحق كثير الشكر لله الواحد الأحد وحسن التعامل مع الإنسان الأجير سواء كان خادمة أو سائق. إلا أنه ومع شديد الأسف كثرة ترديد تلكم الجُملة التي أوردناها في صدر الحديث جهارا نهارا على مسامع الأبناء والفتيات، وفي محضر الخادمة والسائق، أدى إلى خلق تصورات ومفاهيم خاطئة في ذهن الأبناء وترجموها من خلال إفرازات لسلوكيات غير محمودة أثناء التعامل مع الأجير بدونية مقيتة وخالية من أي آدمية. يتعامل خطأً بعض الشباب والفتيات وأرباب الأسر على أن ذلك السائق أو الخادمة، الذين نزحوا من بلدانهم لحاجتهم الماسة للمال، هم سُراق وثعالب بشرية وأدنى من الإنسان العادي untouchable. فكلا الطرفين أي رب الأسرة وعائلته من طرف والخادمة والسائق من طرف آخر ينظر للآخر بريبة ويكون الجو العام داخل تلك الفيلا الكبيرة أشبه بغابة ينبغي توخي حذر سكانها من الافتراس الغير متوقع.

القدرة المالية على استقدام خادمة أو سائق بمثابة نعمة ولطف من الله بأن مكنه على رقاب بعض خلقه وأضحى سبب رزق لهم، ومن الجيد استحضار المساءلة يوم الوقوف بين يدي الله لهذه النعم وعدم الاستهتار أو التجبر أو الاستعلاء أو الاستعباد على من كانوا وما يزالون في خدمتنا وعدم تجاوز حدود اللباقة والآداب والقيم والأخلاق الحميدة عند التعامل معهم / هن.

قد نسمع بين الحين والآخر عن انتحار أو محاولة انتحار عاملة بسبب قسوة وجلافة تعامل كفلائها معها وقد نسمع ابتزاز بعض الكفلاء لبعض الخادمات عند حلول وقت تسليم الراتب الشهري، وقد نسمع مماطلة بعض الأسر في صرف استحقاق أتعاب السائق عند كل شهر. وحتما لتلكم الحكايات المزعجة نهايات مأساوية وإن طال الزمن. والعاقبة الحسنة للمتقين والعاقبة السيئة للمسيئين.

قبل عقدين من الزمان وقعت أحداث مؤلمة وبعدة شهور من تلك الأحداث نشرت إحدى الصحف اليومية العالمية الشهيرة مقالا بعنوان ”لماذا يكرهوننا؟“. وسرد كاتب المقال وفي محاولة جادة منه في تشخيص أسباب كره البعض لهم والعمل على تصحيح وتنقية الأجواء مع بقية العالم من حولهم. الاستعلاء وانتهاك الحقوق كانا من جملة ما استعرض الكاتب من الأسباب التي أدت لتولد شعور الامتعاض ممن وجه المقال لهم ونصحهم بوجوب حسن المعاملة مع كل الأطراف في كل شعوب الأرض. ولا ننسى أن بعض القوميات وأهالي بعض المناطق في الأرض خسروا تعاطف الناس في أرجاء المعمورة مع قضاياهم المنصفة بسبب سوء أدب بعض أبنائهم في الإعلام والأفعال.

ولزيادة منسوب حفظ الحقوق للخادمات والسائقين المنزليين. فإن الأجدر بأرباب الأسر توجيه أبنائهم بحسن الترفق عند معاملة الخادمة. فيعاملون الخادمة كأخت لهم والسائق كأخ لهم ويخففوا عليهم ألم الغربة والفقر والحاجة. فالمجتمع النبيل الطيب يحتوي الأعضاء الجدد ويحفزهم على الاقتداء بأخلاقه الفاضلة والانضباط السلوكي الفعال والحفاظ التام على الأرواح والممتلكات والشرف.

وعليه، أقترح إطلاق ما أسميه بالسجل الأخلاقي للأسرة، بحيث يكون لكل عائلة سجل أخلاقي يُمكن شركات الاستقدام والوزارة المعنية في الفسح للأسر بالاستقدام برسوم متفاوتة بناء على سجل تلك الأسرة التاريخي في معاملة الخادمات / السائقين عند تقدم رب الأسرة بطلب استقدام قبل فسح الموافقة.

ومن حق الجهات المعنية قبول أو رفض الطلب للمتقدم وتحديد الضمانات والرسوم المالية المسبقة والاشتراطات الملزمة أو تخفيفها بناء على سجل الشخص والعائلة السلوكي في مجال التعامل مع الخدم / السائقين السابقين. فلا يُعقل أن رب أسرة مُحسن في التعامل مع الخادمة والسائق ويبذل جهد تعزيز الأنسنة في ذلك النطاق يتساوى مع من هو مستهتر بالحقوق، مجاهر بالفسوق، مشوه لسمعة البلاد والعرق في الآفاق. من لهم سجل حافل بالحوادث والمشاكل وإهدار كرامة الآخرين والاعتداء على الآخرين أقل القليل من الإجراءات هو تأديبه وحرمانه ولو لبعض الوقت من حق الاستقدام حتى يرتدع.

قد يقول أحد القراء أن هذا الاقتراح سابقة جديدة. وأقول له هذه ليست سابقة فالتأمين الطبي يرجع في سجلاته إلى التاريخ المرضي للأسرة لتحديد الرسوم على التأمين الطبي على الفرد المتقدم بناء على صحته وسجله الأسري وتاريخه المرضي. وقد يقول شخص آخر هذا لون من ألوان خلط الأوراق والإيزار بوازرة أخرى؛ ولا يحق ذلك العمل بالنص. وأقول هذا المقترح هو إجراء وقائي مرحلي موجه ومصمم في حق عدد محدد ممن لهم كأفراد أو كأسرة سجل استهتار بحقوق العمالة والقواعد الإنسانية في التعامل مع العمالة المنزلية. وعند تطبيق هذا البند المقترح على جميع الأسر داخل المجتمعات فإن السجل الإنساني ومؤشر الأداء للمجتمع حتما سيرتفع. ويمكن عقد مراجعة دورية ربع سنوية لكل حالة ورفع كامل أو بعض الإجراءات فور انتهاء مدة معينة بعد حسن الانضباط من قبل المُستقدم. ومن جهة أخرى يتم ترسيخ روح التعامل الإنساني السليم والاهتمام بمشاعر وأرواح وكرامة العمالة المنزلية وتجذير عقلية الأنسنة للجاحدين بالنِعم. وحتما يومذاك، وعند سفر أحدنا للخارج لن يتساءل عما تساءل عنه الآخرون بصيغة: ”لماذا يكرهوننا“. فالإنسان القويم جُبل على حب المُحسن إليه. جعلنا الله وإياكم من المحسنين.