آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

آخر روائحِ الدّنيا!

رغبتُ في شراء صابون من أجل الاستحمام، فاحترتُ في أنواعِ الروائح والمرطبات، أيها أزكى رائحةً وأطرى للجسم! روائح الفواكه والعطور والأزهار، والحليب والزيتون، وروائح صناعية - عدة أرفف - وكل نوع يدَّعي أنه الأفضل رائحة وأنفع للجسم، أرقّ على البشرة، وأقسى على الميكروبات!

في هذه الرحلة القصيرة تذكرت نوعًا من الرَّوائح المحددة، ليس لنا يد في اختيارها، نُغسل بها على الترتيبِ التالي:

«1» بالماء المخلوط بالسدر.

«2» بالماء المخلوط بالكافور.

«3» بالماء القراح «الخالص».

روائح ومكونات يُغسل بها الغنيّ والفقير والشَّريف والوضيع ”وتَفَضَّل عَلَيَ مَمدودًا عَلَى المُغتَسَلِ يُقَلِّبُني صالِحُ جيرَتي“، فلا اليد اخترتُها ولا الرَّائحة ولا المكان ولا الزمان. أجزم أن اليد غريبة، ليست يدًا من أهلي: أيما مؤمن غسل مؤمنًا فقال: إذا قلبه: ”اللهم إن هذا بدن عبدكَ المؤمن قد أخرجتَ روحه منه وفرقتَ بينهما فعفوكَ عفوك“ غفر الله له ذنوبَ سنة إلا الكبائر.

هي فرصتنا الآن في الحياة أن نستمتع بهذه النِّعم - الرَّوائح والمذاقات والملمس وغيرها - غير أنه لابد أن يكون في طاسةِ رأسنا شيء من التواضعِ والواقعية، إذ في بداية رحلةِ الحياة في ظلماتِ البطن، وفي نهاية رحلةِ الحياة في ظلماتِ القبر كلنا سواسية، إلا في الأعمال!

يا ابن آدم: آخر الرَّوائح في الدنيا علبتان فوق رفٍّ قديم في المغتسل من أرخصِ العلب. الأولى مكتوبٌ عليها ”سدر“ والثانية مكتوبٌ عليها ”كافور“، يشترك في العلبتين الذّكور والإناث، الصِّغار والكبار والأغنياء والفقراء. فلِمن يملك المال الوفير، ما أرخص آخر عطرٍ ترتديه للقاءِ الملائكة ومباشرة الآخرة والتخلص من آفاتِ الدنيا، ورق السدر والكافور، وبعد هذا العطر الرخيص الثمن يعود نتاج الأرضِ - الجسد - ليسكن في الأرض!

ولدتك أمكَ باكيًا مستصرخًا * * * والنّاسٌ حولكَ يضحكونَ سرورَا

فاحرص لنفسكَ أن تكون إذا بكوا * * * في يومِ موتكَ ضاحكًا مسرورَا

مستشار أعلى هندسة بترول