آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 4:55 م

بصماتك في يوميات أبنائك

المهندس أمير الصالح *

لا أعلم بالضبط عدد الآباء الذين يعقدون مع أنفسهم بشكل دوري جلسة تأمل ومحاسبة ويتدارسون فيها سلوكهم ومعاملتهم مع افراد اسرتهم. لا اعلم ان كانوا يسألون أنفسهم بعد تلك المراجعة الذاتية، الأسئلة التالية:

هل أنا جزء من يوميات حياة أبنائي؟ وأن لم اكن فكيف أكون؟ وأن كنت فهل ذات انطباع سعيد أم انطباع سيئ؟ وكيف استمر في ترك بصمات سعيدة في يومياتهم؟

عندما يقرأ الفرد منا دعاء ”الحزين“ والمروي عن الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، حيث مطلعه هو «أناجيك يا موجود في كل مكان، لعلك تسمع ندائي فقد عظم جرمي وقل حيائي، مولاي يا مولاي أي الأهوال أتذكر، وأيها أنسى، ولو لم يكن إلا الموت لكفى، كيف وما بعد الموت أعظم وأدهى،» الدعاء يستحضر مشاهد ذهنية عديدة. وتلقائيا ينكسر صوت قارئ الدعاء إلى لحن حزين عند استمراره في القراءة وبلوغه لمقطع نصه: ”ارحمني يوم آتيك فردا، شاخصا إليك بصري، مقلدا عملي، قد تبرأ جميع الخلق مني، نعم وأبي وأمي، ومن كان له كدي وسعيي، فإن لم ترحمني [فمن يرحمني]“، الدعاء.

هذه الجزئية من الدعاء تهز من الأعماق كيان الإنسان اليقظ والمتأمل. وحتما سيترجم القارئ والسامع للدعاء ذلك المقطع الى استثمار جهوده وطاقاته وموارده ووقته ليكون سعيه محمودا ومشكورا في الدارين لا سيما في نطاق أسرته ومجتمعه. ولكوننا نؤمن بأن الإنسان ينقطع عمله إلا من ثلاث ومن تلكم الثلاث الولد البار بوالديه؛ فإن الاستثمار في الولد هو أكثر الأمور إمكانية في التحقق واستمرارية في جني الأرباح.

وبإجراء تلكم المحاسبة الذاتية بشكل شبه يومي ترتقي نفس الأب ونفس الأم لمستوى أعلى من مستوى الأب / الأم البيولوجي إلى مستوى منبع الحب والحنان ومصدر الإلهام والمحفز للارتقاء بمستوى زيادة جرعات الثقة بالنفس والسند عند الكربات والكهف عند الملمات والمشجع عند إطلاق التجارب.

ولعل من الحسن أن يكون بعد الانتهاء من كل مراجعة ذاتية لآخر المعاملات والسلوكيات مع الأبناء والزوجة، أن يبادر الأب شخصيا ولو بين الفينة والفينة أن يرسل رسالة صوتية أو كتابية أو نصية عبر جهاز هاتفه المحمول موجهة نحو أفراد أسرته للتعبير عن حبه للأبناء وكبير امتنانه لشريكة حياته. هكذا رسائل حتما ستحدث في نفوس أفراد الأسرة الكثير والكثير من الشعور بالأمن والانتماء والأمان والحب والانصهار والتشجيع والمساندة.

في الإعلام المعاصر، يردد بعض علماء الأخلاق وبعض أهل الحكمة وبعض رجال الدين مقولة: الأبناء جزء من الآباء ولكن الآباء ليسوا جزء من الأبناء. وعليه تكون مهمة الاحتواء ونظم أمور العلاقات مهمة تقع بجزئها الأكبر على الآباء لاسيما في بداياتها. وهنا نشاطر اساتذتنا وأهل الحكمة هذا الرأي ونتبناه ونعمل به وندعو لتبنيه كبرامج داخل الُاسر. ونزيد القول ونحث على الفعل بأن يسعى الآباء الاوفياء في صنع كل ما يمكنهم فعله من إحسان للأبناء منذ البداية، فإن خير المال وجميل الخصال ولطيف الوقت ما أنفقه الأب على العيال. ويومذاك وبعد تكلل الجهود بالنجاح، فإن الآباء سيكونون في يوميات الأبناء حضورا قلبيا ووجدانيا وسلوكيا سعيدا ولو من خلال الذكرى الطيبة والآثار الجميلة والسعي المحمود والمبادرات الرائعة والسجايا الحسنة والأخلاق الحميدة. الأبناء زرعنا ويوما ما نحصد ثمار زرعنا ومن الجيد الاهتمام بالزرع منذ البداية.